واذا كان ذهن الكثير من الناس ينصرف في الغالب ـ عند سماع كلمتي الجهاد والمجاهدة ـ الى جهاد الاعداء في الميدان ، فان المجاهدة عند الاخلاقيين يتسع مفهومها ، حتى يشمل ما يذكره حاتم الاصم بقوله : «الجهاد ثلاثة : جهاد في سرك مع الشيطان حتى تكسره ، وجهاد في العلانية ، في اداء الفرائض حتى تؤديها كما أمر الله ، وجهاد مع أعداء الله في غزو الاسلام». ويؤكد الاصفهاني ذلك حين يذكر ان للجهاد أضربا ثلاثة : مجاهدة العدو الظاهر ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس ، وتدخل الثلاثة في قول الله سبحانه :
«وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ»(١).
ولا يختلف عاقلان في أن جهاد الاعداء بالمال والنفس فريضة قائمة باقية واجبة ، كلما نهضت دواعيها ، ولكن ينبغي أن نلاحظ أن الجهاد الحسي بالمال والنفس انما يكون على وجهه وصدقه ، بعد التحلي بفضيلة المجاهدة النفسية الروحية ، التي تجعل صاحبها يزهد في المال ، ويقدمه طائعا مختارا في سبيل ربه ، بلا شح ولا بخل ولا تردد ، وتجعله يفضل ارضاء الله على البقاء في الحياة ، وبذلك يكون ضمن أولئك المؤمنين الأخيار ، الذين قال عنهم ربهم في سورة البقرة :
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(٢).
وقال عنهم في سورة الانفال :
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
__________________
(١) سورة الحج ، الآية ٧٨.
(٢) سورة البقرة ، الآية ٢١٨.