وقوله تعالى : «وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ» تعبير جامع شامل ، بضم جهاد النفس ، وجهاد الفساد ، وجهاد الشر ، وجهاد العدو. وهذا الجهاد يتطلب تعبئة ضخمة واعدادا واسعا ، ولعل هذا هو ما يوحي به جو الآية التي جاءت فيها هذه العبارة ، وما تضمنه النص الالهي من توجيه الى صفات وواجبات ، فالنص يسير هكذا :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ، هُوَ اجْتَباكُمْ ، وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ، وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ ، فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»(١).
ويذهب القشيري في «لطائف الاشارات» الى أن «حق الجهاد» هو موافقة أمر الله في القدر والوقت والنوع ، فاذا حصلت مخالفة في شيء من الامر فليس ذلك بحق الجهاد ، ثم يضيف هذا التفصيل :
«ويقال : المجاهدة على أقسام : مجاهدة بالنفس ، ومجاهدة بالقلب ، ومجاهدة بالمال ، فالمجاهدة بالنفس ألّا يدخر العبد ميسورا الا بذله في الطاعة ، يتحمل المشاق ، ولا يطلب الرخص والارفاق [أي التخفيف والتسهيل].
__________________
(١) سورة الحج ، الآيتان ٧٧ و ٧٨.