ويعود الذكر الحكيم الى الحديث عن المجاهدة في موطن ثالث ، فيقول في سورة العنكبوت :
«وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»(١).
أي ان الذين قاوموا شهواتهم وطهروا نفوسهم وصانوا قلوبهم ، ابتغاء وجه ربهم يهبهم الله الهداية والوقاية والرعاية ، لأنه يكون معهم بفضله وتأييده ، ومن كان الله معه فقد سعد وفاز.
ولقد أتى القرآن الكريم بهذه الآية في ختام سورة العنكبوت بعد أن ذكر قبلها مباشرة الفريق الخاسر الشقي فذلك حيث يقول :
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ»(٢).
ثم يعقب ذلك بمسك الختام في حديثه عن أهل المجاهدة ، وهم ـ كما يقول بعض المفسرين ـ : «الذين جاهدوا في الله ليصلوا اليه ويتصلوا به ، الذين احتملوا في الطريق اليه ما احتملوا ، فلم ينكصوا ولم ييأسوا. الذين صبروا على فتنة النفس وفتنة الناس. الذين حملوا اعباءهم ، وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب ... أولئك لن يتركهم الله وحدهم ، ولن يضيع ايمانهم ، ولن ينسى جهادهم. انه سينظر اليهم من عليائه فيرضاهم ، وسينظر الى جهادهم فيه فيهديهم ، وسينظر الى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم ، وسينظر الى صبرهم واحسانهم فيجازيهم خير
__________________
(١) سورة العنكبوت ، الآية ٦٩.
(٢) سورة العنكبوت ، الآية ٦٨.