القلوب ولا تنكره ، يرد الانسان به السائل من غير عطاء ، مع ستر لما وقع منه من الالحاف في السؤال ، مما يثقل على النفوس ، أو ستر حال الفقير بعدم التشهير به ، فذلك خير من صدقة يتبعها أذى.
وفي هذا يقول الامام محمد عبده : «القول بالمعروف يتوجه تارة الى السائل ان كانت الصدقة عليه ، وتارة يتوجه الى المصلحة العامة ، كما اذا هاجم البلد عدو ، وأرادوا جمع المال للاستعانة على دفعه ، فمن لم يكن له مال يمكنه ان يساعد بالقول المعروف الذي يحث على العمل ، وينشط العامل ، ويبعث عزيمة الباذل.
والمغفرة أن تغضي عن نسبة التقصير في الانفاق اليك ، وأن تظهر في هيئة لا ينفر منها المحتاج ، ولا يتألم من فقره أمامك. والمعنى أن مقابلة المحتاج بكلام يسر ، وهيئة ترضي ، خير من الصدقة مع الايذاء بسوء القول أو سوء المقابلة. ولا فرق في المحتاج بين أن يكون فردا أو جماعة ، فان مساعدة الامة ببعض المال ـ مع سوء القول في العمل الذي ساعدها عليه ، واظهار استهجانه ، وبيان التقصير فيه ، او تشكيك الناس في فائدته ـ لا توازي هذه المساعدة : احسان القول في ذلك العمل الذي تطلب له المساعدة والاغضاء عن التقصير الذي ربما يكون من العاملين فيه.
فكونك مع الامة بقلبك ولسانك خير من شيء من المال ترضخ به (تعطيه) مع قول السوء وفعل الاذى. ومعنى هذه الخيرية أنه أنفع وأكثر فائدة ، لا أنه يقوم مقام البذل ويغني عنه. فمن آذى فقد بغّض نفسه الى الناس ، بظهوره في مظهر البغضاء لهم.
ولا شك أن السلم والولاء خير من العداوة والبغضاء ، وأن أضمن شيء لمصلحة الامة وأقوى معزز لها ، هو أن يكون كل واحد من أفرادها ـ في عين الآخر وقلبه ـ في مقام المعين له ، وان لم يعنه بالفعل».