«لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ، رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ، فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ، وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ»(١).
أي لم يكن هؤلاء هالكين بارحين الدنيا حتى يأتيهم رسول الله محمد صلىاللهعليهوآله ، كما أخبر الله عزوجل ، وذلك لاقامة الحجة عليهم بارسال الرسول وانزال القرآن. وقوله :
«وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ».
معناه : أتتهم البينة الواضحة الشارحة ، والمراد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام أي جاء القرآن موضحا وموافقا لما في أيديهم من الكتاب بصفته ونعته ، فقد كانوا ينتظرون رسولا ، فلما جاءهم كفروا به وجحدوا رسالته وتفرقوا ، فمنهم من كفر بغيا وحسدا ، ومنهم من آمن.
والقرآن حين يدعو الى التبين والتثبت انما يريد ذلك لكي يكون المتبين على بصيرة من أمره ، وعلى وضوح من طريقه ، وليس معنى هذا أن يصير التبين لجاجا وعنادا ، أو تعنتا ومكابرة ، لأن القرآن يكره للانسان ذلك ، ولذلك قص علينا ما كان من أمر اليهود حين أمرهم الله في مناسبة من المناسبات أن يذبحوا بقرة ، ولو أنهم تناولوا أي بقرة وذبحوها لكفتهم ، ولكنهم تعنتوا ، فأخذوا يسألون عن صفتها وعن لونها وعن عمرها ، وكلما تعنتوا شددوا على أنفسهم وضيقوا أمامهم المجال ، وكأن القرآن يريد أن نعتبر بهذا الدرس ، فهو يقول :
__________________
(١) سورة البينة ، الآيات ١ ـ ٤.