وفضيلة الكرامة قريبة من فضيلة العزة ، لأن الكرامة يوجد فيها معنى الترفع عن الخسيسة ، والتباعد عن المذلة ، والتأبي على الضيم والهوان ، والعزة فيها هذه المعاني ، ولذلك قلت حين حديثي عن «العزة» في الجزء الاول من كتابي ، «أخلاق القرآن» هذه العبارة عن شأن المسلم في موطن الابتلاء : «واذا شاء الله تعالى له لونا من ألوان الاختبار والابتلاء تحمله راضيا صابرا ، محتفظا بعزته وكرامته وشهامته ، موقنا بأن احتمال الالم خير ألف مرة من التخاذل والاستسلام» (١). وقد يجمع بين العزة والكرامة أن يسير المسلم في ضوء القول النبوي الجليل : «ان الله يحب معالي الامور ويكره سفسافها» (٢).
والكرامة ضدها الذل والهوان ، ومن هنا قال القائل الحكيم :
اذا أنت لم تعرف لنفسك حقها |
|
هوانا بها كانت على الناس أهونا |
ويقول الآخر :
من يهن يسهل الهوان عليه |
|
ما لجرح بميت ايلام!! |
ومن التشريف لفضيلة «الكرامة» المشتقة من مادة «الكرم» أن من أسماء الله عز شأنه وصفاته وصف «الكريم» وأن الله تعالى قد وصف القرآن المجيد بأنه كريم ، فقال في سورة الواقعة : «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ» ، لأنه كثير النفع والخير ، لاشتماله على أصول العلوم المهمة في اصلاح المعاش والمعاد ، ولأنه حسن مرضي في جنسه ، ولأنه مطهر منزه عن الخطأ والسوء.
وكذلك وصف الله تعالى رسله بأنهم كرام ، فقال عن رسوله محمد صلىاللهعليهوآله ، في سورة الحاقة :
__________________
(١) انظر الجزء الاول من كتابي «أخلاق القرآن» ص ١٨. نشر دار الرائد العربي ببيروت ، سنة ١٩٧١.
(٢) انظر شرح هذا الحديث في كتابي «من أدب النبوة» نشر المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية بالقاهرة ، سنة ١٩٧١.