وهذا أمر باللين العام ، والتواضع الذي يشمل كل الاتباع المؤمنين ، حيث يأمر الله نبيه بأن يلين معهم ، ويحلم عليهم ، ويترفق بهم. ويجسّم القرآن ذلك في صورة حسية ، هي صورة الجناح المخفوض من الطائر حينما يهم بالهبوط حيث الهدوء والسكون والاطمئنان.
ويفسر القشيري في «لطائف الاشارات» هذه الآية بقوله : ألن جانبك لهم ، وقاربهم في الصحبة ، واسحب ذيل التجاوز على ما يبدر منهم من التقصير ، واحتمل منهم سوء الاحوال ، وعاشرهم بجميل الاخلاق ، وتحمل عنهم كلهم ، وارحمهم كلهم ، فان مرضوا فعدهم ، وان حرموك فأعطهم ، وان ظلموك فتجاوز عنهم ، وان قصروا في حق فاعف عنهم ، واشفع لهم أو استغفر لهم.
ولنلاحظ هنا أسلوب النظم القرآني ، ولنر كيف سار ... ان الآيات هنا تقول : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ».
انظر كيف بدأت الآيات بذكر الانذار ، وفيه شدة وصلابة وصرامة ، ثم ذكرت خفض الجناح ، وفيه رفق ولين وتواضع ، فان لم ينفع معهم الانذار الممزوج باللين ، فدعهم وشأنهم ، واتجه الى ربك القوي الغالب ، الرحمن الرحيم ، فأنت في هدايته ورعايته.
وقد يقال : ولم قال القرآن : «لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» والمتبعون للرسول صلىاللهعليهوسلم هم المؤمنون ، والمؤمنون هم المتبعون للرسول؟.
ويجيب الزمخشري على ذلك بقوله : «فيه وجهان : أن يسميهم قبل الدخول في الايمان مؤمنين ، لمشارفتهم ذلك ، وأن يريد بالمؤمنين