«وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ».
أي تواضع لهما فوق طاعتهما وحفظ حقوقهما ورعاية حرمتهما ، فاخفض لهما جناح الذل بلين المنطق ، وجميل اللقاء ، ولطف المعاملة ، وحسن المداراة ، والمبادرة الى الخدمة ، والصبر على أمرهما ، وترك التبرم بمطالبهما.
ويعلق جار الله على كلمة : «جناح الذل» فيقول : فيه وجهان : احدهما أن يكون المعنى : واخفض لهما جناحك كما قال : (واخفض جناحك للمؤمنين) فأضافه الى الذل ، كما أضيف حاتم الطائي الى الجود ، على معنى : واخفض لهما جناحك الذليل الخاضع.
والثاني أن تجعل لذله جناحا خفيضا مبالغة في التذلل والتواضع لهما على سبيل الاستعارة ، كما جعل لبيد الشاعر لريح الشمال يدا ، وللقرة ـ وهي شدة البرد ـ زماما ، في قوله :
وغداة ريح قد كشفت وقرة |
|
اذ أصبحت بيد الشمال زمامها |
والنيسابوري في تفسيره يذكر أن الطائر اذا أراد ضمّ فرخه اليه للتربية والحضانة ، خفض له جناحيه فلذلك صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير ، وهذا المعنى مناسب لحسن المعاملة التي نطلبها من الولد والديه ، اذ لا بد من بذله الجهد حتى تأتي معاملته على أحسن وجه ممكن.
* * *
ويأتي الموطن الثالث وهو قول الله جل جلاله في سورة الشعراء :
«وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ».