عليه وسلم ، فان ذلك القول لا يبعد بكلمة «الحكمة» عن معناها الاخلاقي ، لأن سنة الرسول هي الهادية الى مكارم الاخلاق ، وصاحبها هو الذي جاء ليتمم مكارم الاخلاق ، وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه ، وهو الذي قال : «عليكم بسنتي» ، وقال : «تركت فيكم ما ان تسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وسنتي».
كما ان هناك صلة بين كلمتي «الحكمة» و «الحكم» لأن الحاكم لا يحسن الحكم الا بالحكمة ، ولعل هذا مما يشير اليه الحديث القائل : «الخلافة في قريش ، والحكم في الانصار ، فقد ذكر ابن الاثير أن الحديث هنا خصّ الانصار بالحكم ، لان أكثر فقهاء الصحابة فيهم ، ومنهم معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت.
وقد استعمل الحديث النبوي كلمتي «الحكمة» و «الحكم» بمعنى ، فقال : «ان من الشعر لحكمة» وفي رواية : «ان من الشعر لحكما» أي ان من الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه ، وينهى عنهما ، والمراد به المواعظ والامثال التي ينتفع بها الناس.
* * *
وللحكمة أركان تقوم عليها ، وهي العلم والحلم والأناة ، ولها معاول هدم هي الجهل والطيش والعجلة ، فلا حكمة لجاهل ، ولا لطائش ، ولا لعجول. هكذا يقول ابن القيم ، كما يقرر أن الحكمة نوعان : حكمة علمية ، وهي الاطلاع على بواطن الاشياء ، ومعرفة ارتباط الاسباب بمسبباتها ، خلقا وأمرا ، قدرا وشرعا ، وحكمة عملية ، وهي وضع الشيء في موطنه ، ولذلك ثلاث درجات : الدرجة الاولى أن تعطي كل شيء حقه ، ولا تتعدى به حدّه ، ولا تسبق به وقته ، ولا تؤخره عنه ، ويوضح ابن القيم ذلك فيذكر أنه لما كانت الاشياء لها مراتب وحقوق ، تقتضيها شرعا وقدرا ،