ولها حدود ونهايات تصل اليها ولا تتعداها ، ولها أوقات لا تتقدم عنها ولا تتأخر ، كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاث ، بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله لها بشرعه وقدره ، ولا تتعدى بها حدها ، فتكون متعديا مخالفا للحكمة ، ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة ، ولا تؤخرها عنه فتفوتها.
وهذا حكم عام لجميع الاسباب مع مسبباتها شرعا وقدرا ، فاضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة اضاعة البذر وسقي الارض. وتعدي الحق كسقيها فوق حاجتها ، بحيث يغرق البذر ويفسد الزرع. وتعجيلها عن وقتها كحصاده قبل ادراكه وكماله. وكذلك ترك الغذاء والشراب واللباس اخلال بالحكمة ، وتعدي الحد المحتاج اليه خروج عنها أيضا ، وتعجيل ذلك قبل وقته اخلال بها ، وتأخيره عن وقته اخلال بها.
فالحكمة اذن هي فعل ما ينبغي ، على الوجه الذي ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي.
والدرجة الثانية لوضع الشيء في موضعه ، هي أن تعرف الحكمة في وعد الله تعالى ووعيده ، وأنه كما قال في سورة النساء :
«إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً»(١).
وتعرف الحكمة والعدل في أحكامه ، وقد عرّف أهل السنة حكمة الله بقولهم : «انها الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه بخلقه وأمره ، التي أمر لأجلها ، وقدر وخلق لاجلها ، وهي صفته القائمة به كسائر صفاته ، من سمعه وبصره ، وقدرته وارادته ، وعلمه وحياته وكلامه».
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ٤٠.