والدرجة الثالثة أن تبلغ درجة البصيرة في العلم والادراك ، واليها يشير القرآن الحكيم في قوله :
«قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(١).
* * *
وقد نوه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بمكانة أهل الحكمة أيما تنويه حين قال : «ان الجنة للمحكّمين» ـ بتشديد الكاف المفتوحة ـ حيث قيل انهم المخصوصون بالحكمة ، والذين ينصفون من أنفسهم.
وقيل في تفسير هذا الحديث ان المحكمين هم المجاهدون الذين يقعون في يد الاعداء ، فيخيرهم أعداؤهم بين الشرك والقتل ، فيختارون القتل على الشرك ، كما حدث من المؤمنين من أصحاب الاخدود الذين اختاروا الثبات على الايمان مع القتل ، ومن ذلك حديث كعب الذي وصف فيه الجنة ، وكان من قوله : «ان في الجنة دارا لا ينزلها الا نبي أو صدّيق أو محكّم في نفسه».
ولا عجب أن ينال أهل الحكمة تلك المكانة ، لأنهم يتصفون بطائفة كريمة من الصفات ، ومنها التجربة ، ولذلك روى البخاري في الأدب : «لا حكيم الا ذو تجربة». ومنها الصمت الا في الحق ، ولذلك جاء الحديث : «الصمت حكم (أي حكمة) وقليل فاعله». ومنها خوف الله عزوجل ، ولذلك أخرج الحكيم الترمذي في النوادر : «رأس الحكمة مخافة الله».
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية ١٠٨.