شمائله وأخلاقه وسيماه في وجهه ، أنه صادق غير مخادع ، ويقول : والله ما هذا بوجه كاذب.
والعادة قد جرت بأن أهل البصيرة والتبصر يعرف بعضهم بعضا ، والحديث النبوي يقول : «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف».
يقول التفسير : بهذه البصيرة النيرة عرفت السيدة خديجة فضلى عقائل قريش فضائل محمد بن عبد الله قبل بعثته ، فاستمالته وخطبته لنفسها ، مع غناها وفقره ، وقد رفضت من قبل كبراء من قريش خطبوها بعد وفاة زوجها الاول ، وكانت أول من صدق برسالته عند ما حدثها بنزول الوحي عليه ، وكذلك كان أبو بكر الصديق أول رجل استجاب لدعاء الرسول له الى الاسلام ، وذلك بحسن فراسته فيه ، فلم يتوقف ولم يتريث ، بل سارع الى اجابة الدعوة منشرح الصدر قرير العين لأنه كان أجدر الناس بمعرفة حقيقتها وحقيقة من دعا اليها.
وأوضح الامثلة على ذلك في عصرنا تعلق الامام محمد عبده بالسيد جمال الدين الافغاني ، من أول ليلة رآه فيها ، ولازمه الى أن خرج من هذه الديار ، فلم يعرفه حق المعرفة غير الاستاذ الامام ، مع كثرة المكبرين له والمعجبين به.
ونأتي الى الصوفية لنجدهم يتحدثون عن التبصر على طريقتهم الخاصة بهم ، فيتعرض القشيري في «لطائف الاشارات» لقول الله تبارك وتعالى :
«وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» (١).
__________________
(١) سورة الاعراف ، الآية ١٩٨.