بقوله : «ابتدع النصارى الرهبانية زاعمين انها من سنن عيسى بن مريم وهداه عليهالسلام ، فكذبهم الله في ذلك ، وبين انهم هم الذين ابتدعوها من عند أنفسهم. وعيسى عليهالسلام بريء منها ، فانها على خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والله لا يشرع ما يضاد الفطرة ، ولا يحبه ، ولذلك فانهم لم يستطيعوا ـ ولن يستطيعوا ـ أن يرعوها حق رعايتها ، لأن سنن الله لا يقدر أحد على تبديلها.
ويتحدث صاحب : «في ظلال القرآن» عن الآية السابقة فيقول ضمن ما يقول :
«والراجح في تفسير هذه الآية أن هذه الرهبانية التي عرفها تاريخ المسيحية كانت اختيارا من بعض اتباع عيسى عليهالسلام ، ابتدعوها من عند أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وابتعادا عن أوضار الحياة ، ولم يكتبها الله عليهم ابتداء ، ولكنهم حين اختاروها وأوجبوها على أنفسهم صاروا مرتبطين أمام الله بأن يرعوا حقوقها ، ويحافظوا على مقتضياتها من تطهر وترفع ، وقناعة وعفة ، وذكر وعبادة ، مما يحقق في أنفسهم حقيقة التجرد لله ، التي قصدوا اليها بهذه الرهبانية التي ابتدعوها.
ولكنها انتهت الى أن تصبح في الغالب طفوسا وشعائر خالية من الروح ، وأن يتخذها الكثيرون مظهرا عاريا من الحقيقة ، فلا يصبر على تكاليفها الا عدد منهم قليل. «فما رعوها حق رعايتها ، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون». والله لا يأخذ الناس بالمظاهر والاشكال ، ولا بالطقوس والمسوح ، انما يأخذهم بالعمل والنية ، ويحاسبهم على حقيقة الشعور والسلوك ، وهو الذي يعلم خبايا القلوب وذوات الصدور».
وأشار القرآن الى فضيلة الرعاية ، فقال في سورة المؤمنون :