قال تقي الدين المقريزي في (الخطط) : إن جميع أهل الشرائع ، أتباع الأنبياء ، من المسلمين واليهود والنصارى قد أجمعوا على أن نوحا هو الأب الثاني للبشر ، وأن العقب من آدم عليهالسلام انحصر فيه ، ومنه ذرأ الله جميع أولاد آدم ، فليس أحد من بني آدم إلا وهو من أولاد نوح ، وخالفت القبط والمجوس وأهل الهند والصين ذلك ، فأنكروا الطوفان. وزعم بعضهم أن الطوفان إنما حدث في إقليم بابل وما وراءه من البلاد الغربية فقط ، وأن أولاء (كيومرث) الذي هو عندهم (الإنسان الأول) كانوا بالبلاد الشرقية من بابل ، فلم يصل الطوفان إليهم ، ولا إلى الهند والصين ، والحقّ ما عليه أهل الشرائع ، وأن نوحا عليهالسلام ، لما أنجاه الله ومن معه بالسفينة ، نزل بهم ، وهم ثمانون رجلا سوى أولاده ، فماتوا بعد ذلك ، ولم يعقبوا ، وصار العقب من نوح في أولاده الثلاثة ، ويؤيد هذا قول الله تعالى عن نوح : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) [الصافات : ٧٣] ، ونحوه في الكامل لابن الأثير.
وقال ابن خلدون : اتفقوا على أن الطوفان الذي كان في زمن نوح وبدعوته ، ذهب بعمران الأرض أجمع ، بما كان من خراب المعمور ، وهلك الذين ركبوا معه في السفينة ، ولم يعقبوا فصار أهل الأرض كلهم من نسله ، وعاد أبا ثانيا للخليقة ـ انتهى.
قال بعضهم (في تقرير عموم الطوفان ، مبرهنا عليه) إن مياه الطوفان قد تركت آثارا عجيبة في طبقات الأرض الظاهرة ، فيشاهد في أماكن رواسب بحرية ممتزجة بالأصداف ، حتى في قمم الجبال ، ويرى في السهول والمفاوز بقايا حيوانية ونباتية مختلطة بمواد بحرية ، بعضها ظاهر على سطحها ، وبعضها مدفون على مقربة منه. واكتشف في الكهوف عظام حيوانية متخالفة الطباع ، بعيدة الائتلاف ، معها بقايا آلات صناعية ، وآثار بشرية ، مما يثبت أن طوفانا قادها إلى ذاك المكان ، وجمعها قسرا فأبادها ، فتغلغلت بين طبقات الطين فتحجرت ، وظلت شهادة على ما كان ، بأمر الخالق تعالى ـ انتهى ـ.
وقد سئل مفتي مصر الإمام الشيخ محمد عبده عن تحقيق عموم الطوفان ، وعموم رسالة نوح ، فأجاب بما صورته :
أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نص قاطع على عموم الطوفان ، ولا عموم رسالة نوح عليهالسلام ، وما ورد من الأحاديث ، على فرض صحة سنده ، فهو آحاد لا يوجب اليقين. والمطلوب في تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن ، إذا عدّ اعتقادها