ومعنى قوله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي مع كونهم في الموقف معا ، فرقنا بينهم ، وقطعنا الوصل التي بينهم ، فلا يبقى من العابدين توقع شفاعة ، ولا من المعبودين إفادتها ، لو أمكنتهم (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) إذ لم تكن عبادتكم عن أمرنا بل عن أمر الشيطان فكنتم عابديه بالحقيقة ، بطاعتكم إياه ، وعابدي ما اخترعتموه في أوهامكم من أباطيل فاسدة ، وأمانيّ كاذبة.
قيل : القول مجاز عن تبرئهم من عبادتهم ، وأنهم عبدوا أهواءهم وشياطينهم ، لأنها الآمرة لهم دونهم ، لأن الأوثان جمادات وهي لا تنطق. وقيل : ينطقها (اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت : ٢١]. فتشافههم بذلك ، مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (٢٩)
(فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ) أي لنا (لَغافِلِينَ) أي الله يعلم أنا ما أمرناكم بذلك وما أردنا عبادتكم إيانا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٣٠)
(هُنالِكَ) أي في ذلك المقام المدهش ، حين قطع المواصلة ، وإنكار الشركاء العبادة (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أي تختبر وتذوق كل نفس ما أسلفت من العمل ، فتعاين أثره من قبح وحسن ، وردّ وقبول ، كما يختبر الرجل الشيء ويتعرفه ، ليكتنه حاله. وهذا كقوله تعالى : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة : ١٣]. وقوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٩].
(وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) الضمير للذين أشركوا ، أي ردوا إلى الله المتولي جزاءهم بالعدل والقسط (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي ضاع عنهم ما افتروه من اختراعاتهم ، وأصول دينهم ومذهبهم ، وتوهماتهم الكاذبة ، وأمانيّهم الباطلة. أي ظهر ضياعه وضلاله ولم يبق له أثر فيهم.
وفي هذه الآية تبكيت شديد للمشركين الذين عبدوا ما لا يسمع ولا يبصر ،