ولا يغني عنهم شيئا ، ولم يأمرهم بذلك ، ولا رضي به ولا أراده ، بل تبرأ منهم ، أحوج ما يكونون إلى المعونة. والمشركون أنواع وأقسام ، وقد ذكرهم تعالى في كتابه ، وبين أحوالهم ، ورد عليهم أتم رد.
ثم احتج على المشركين على وحدانيته باعترافهم بربوبيته وحده بقوله سبحانه وتعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (٣١)
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بالإمطار والإنبات وهل يمكن إلا ممن له التصرف العام فيها (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أي من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة ، كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) [الملك : ٢٣].
(وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) يعني النسمة من النطفة ، أو الطير من البيضة ، أو السنبلة من الحب ، (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كأن يخرج النطفة من الإنسان والبيضة من الطائر. وقيل : المراد أن يخرج المؤمن من الكافر أو الكافر من المؤمن. (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي ومن يلي تدبير أمر العالم كله ، بيده ملكوت كل شيء ، تعميم بعد تخصيص (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) إذ لا مجال للمكابرة لغاية وضوحه (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أي أفلا تخافون بعد اعترافكم ، من غضبه لعبادة غيره اتباعا للهوى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٢)
(فَذلِكُمُ) إشارة إلى من هذه قدرته وأفعاله (اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) الثابت وحدانيته ثباتا لا ريب فيه ، لمن حقق النظر (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) يعني أن الحق والضلال لا واسطة بينهما ، فمن تخطى الحق وقع في الضلال. أي فما بعد حقيّة ربوبيته إلا بطلان ربوبية ما سواه ، وعبادة غيره ، انفرادا أو شركة (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)