عجزه عمّا ذكر. ثم احتج عليهم أيضا ، إفحاما إثر إفحام ، بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥)
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) أي بوجه من الوجوه ، كبعثة الرسل ، وإيتاء العقل. وتمكين النظر في آيات الكون ، والتوفيق للتدبر. (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) وهو تبارك وتعالى ـ (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) أي يعيد ويطاع (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أي إلا أن يهديه الله تعالى ـ نزل منزلة من يعقل لإفحامهم ـ وقيل معناه : أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه إلا أن ينقل. أو لا يهتدي ولا يصح منه الاهتداء ، إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيوانا مكلفا ، فيهديه. وقد قرئ (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) بفتح الياء والهاء وتشديد الدال ، أصله يهتدي ، أدغمت التاء في الدال ونقلت فتحة التاء المدغمة إلى الهاء ؛ وقرئ بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ، لأنه لما نقلت الحركة التقى ساكنان ، فكسر أولهما للتخلص من التقائهما ، وقرئ بسكون الهاء وبتخفيف الدال ، على معنى (يهتدي) والعرب تقول : يهدي بمعنى يهتدي. يقال : هديته فهدى أي اهتدى.
وقوله تعالى : (فَما لَكُمْ) مبتدأ وخبر ، والاستفهام للإنكار والتعجب. أي : أيّ شيء لكم في اتخاذ هؤلاء العاجزين عن هداية أنفسهم ، فضلا عن هداية غيرهم ، شركاء وقوله : (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) مستأنف أي كيف تحكمون بالباطل ، حيث تزعمون أنهم أنداد الله؟!.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٣٦)
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) أي في اعتقادهم ألوهية الأصنام (إِلَّا ظَنًّا) اعتقادا غير مستند لبرهان ، بل لخيالات فارغة ، وأقيسة فاسدة. والمراد (بالأكثر) : الجميع. (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) أي من العلم والاعتقاد الحق (شَيْئاً) أي من الإغناء ف (شيئا) في موضع المصدر ، أي غناء ما. أو مفعول ل (يغني). و (مِنَ الْحَقِ) حال منه. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) وعيد على اتباعهم الظن ، وإعراضهم عن البرهان.