معناها كآية (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ ..) إلخ. فما ذكر من التأويل مؤيد بهذه الآية ، فتفطّن ولا تكن أسير التقليد ..!
ولما بين تعالى سعة حلمه ، قرنه ببيان قوة عقابه ، ليعتدل الرجاء والخوف ، فقال سبحانه : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) أي : لمن شاء ، كما قال تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام : ١٤٧] ، وقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف : ١٦٧] ، وقال سبحانه : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) [الحجر : ٤٩ ـ ٥٠].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٧)
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم المستعجلون بالسيئة المتقدمون.
قال أبو السعود : وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصول ، ذمّا لهم ونعيا عليهم كفرهم بآيات الله تعالى التي تخر لها صم الجبال ، حيث لم يرفعوا لهم رأسا ولم يعدّوها من جنس الآيات وقالوا عنادا :
(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي : مثل آيات موسى وعيسى عليهماالسلام ، أو مثل ما يقترحون من جعل الصفا ذهبا ، أو إزاحة الجبال وجعل مكانها مروجا وأنهارا و (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي : مرسل للإنذار والتخويف من سوء عاقبة ما يأتون ويذرون ، وناصح كغيرك من الرسل ، فما عليك إلّا البلاغ ، لا إجابة المقترحات (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي : نبيّ داع إلى الحق مرشد بالآية التي تناسب زمنه كقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤] ، تعريض بأنه صلىاللهعليهوسلم ليس بدعا من الرسل. فقد خلا قبله الهداة الداعون إلى الله ، عليهمالسلام ؛ أو المعنى : لكل قوم هاد عظيم الشأن ، قادر على هدايتهم ، هو الله سبحانه ، فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم. وإيتاؤهم الإيمان وصدهم عن الجحود. فإن ذلك لله وحده كقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٧٢] ، أو المعنى : (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) قائد يهديهم إلى الرشد. وهو الكتاب المنزل عليهم الداعي بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم. يعني : أن سر الإرسال وآيته الفريدة وإنما هو الدعاء إلى الهدى وتبصير سبله ، والإنذار من الاسترسال في مساقط الردى. وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه.