فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى. وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله وقد لا يفيد إنزالها هداية! قال تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [الإسراء : ٥٩] ، (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٩] ، مع ما يستتبع الإصرار بعدها من الأخذ بلا إمهال! (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٦٢].
قال الشهاب : وجوّز عطف (هاد) على (منذر) وجعل المتعلق مقدما عليه ، للفاصلة فيدل على عموم رسالته وشمول دعوته. وقد يجعل خبر مبتدأ مقدر ، أي : وهو هاد ، أو وأنت هاد ، وعلى الأول فيه التفات. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (٩)
(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) جملة مستأنفة ، جواب سؤال وهو : لما ذا لم يجابوا لمقترحهم فتنقطع حجتهم فلعلّهم يهتدون بأنه آمر مدبر عليم نافذ القدرة فعّال لما تقتضيه حكمته البالغة دون آرائهم السخيفة؟ وهذا على أن (الهادي) بمعنى (الداعي إلى الحق).
وإن كان المراد به الله سبحانه ، فالجملة تفسير لقوله (هاد) أو مقررة مؤكدة لذلك ـ كذا في (العناية).
وأشار الرازي إلى أن الآية : إما متصلة بما قبلها مشيرة إلى أنه تعالى واسع العلم لا يخفى عليه أن اقتراحهم عناد وتعنت ، وأنهم لا يزدادون بإظهار مقترحهم إلّا عنادا ، فلذا لم يجابوا إليه. وإما متصلة بقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يعني أنه تعالى عالم بجميع المعلومات. فهو تعالى إنما ينزل العذاب بحسب ما يعلم أن فيه مصلحة.
ثم إن لفظ (ما) في قوله تعالى : (ما تَحْمِلُ) مصدرية أو موصولة ، أي : حملها أو ما تحمله من الولد : على أي حالة هو من ذكورة وأنوثة ، وتمام وخداج ، وحسن وقبح ، وطول وقصر ... وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة.
(وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) أي : تنقص من الحمل (وَما تَزْدادُ) أي : تأخذه زائدا.
قال الزمخشري : ومما تنقصه الرحم وتزداده ، عدد الولد ؛ فإنها تشمل على واحد. وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة. ويروى أن شريكا كان رابع أربعة في