بينهما شرارة كهربائية هي البرق. وحينئذ يقال : إن الأجسام الأرضية صعقت : هذا مجمل ما قالوه :
وقد حاول الرازي الجمع بين ما روي عن بعض السلف : أن الرعد ملك ، وبين ما ثبت في العلم الطبيعيّ بما يدفع المنافاة فقال : اعلم أن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية ، فللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره ؛ وكذا القول في الرياح وفي سائر الآثار العلوية. قال : وهذا عين ما نقلناه من أن الرعد اسم ملك من الملائكة يسبح الله ، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء. فكيف يليق بالعاقل الإنكار؟ انتهى.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) (١٤)
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) أي : الدعاء الحق بالعبادة والتضرع والإنابة ؛ وتوجيه الوجه ثابت له تعالى لا لغيره. لأنه الذي يجيب المضطر ويكشف السوء فهو الحقيق بأن يعبد وحده بالدعاء والالتجاء. فإضافة الدعوة للحق من إضافة الموصوف للصفة.
وفيها إيذان بملابستها للحق ، واختصاصها به ، وكونها بمعزل من شائبة البطلان والضياع والضلال. كما يقال : كلمة الحق.
ثم بين تعالى مثال من يعبد من الأصنام ويدعي ، في عدم النفع والجدوى بقوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي : الأصنام الذين يدعوهم المشركون من دونه تعالى : (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) أي : من مطلوباتهم (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) أي : إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه أي كاستجابة الماء لمن مدّ يديه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه ، والماء جماد لا يشعر ببسط كفه ولا بظمئه وحاجته إليه فلا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه ، وكذلك ما يدعونه ، جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم! والغرض نفي الاستجابة على القطع بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها تحصيل مباغيهم ، أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مضطر إليه فضلا عن مجرد الحاجة ، وحاصله : أنه شبه آلهتهم ـ