التعذيب على إجرامه ، ويهلك فزعا من مجيئه ، وإن أبطأ ، فضلا عن أن يستعجله ـ كذا في (الكشاف) ـ.
قال في (الانتصاف) : وفي هذا النوع البليغ نكتتان :
إحداهما : وضع الظاهر مكان المضمر.
والأخرى : ذكر الظاهر بصيغة زائدة مناسبة للمصدر.
وكلاهما مستقل بوجه من البلاغة والمبالغة ـ والله أعلم ـ
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (٥١)
(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) إنكار لإيمانهم بنزول العذاب بعد وقوعه حقيقة ، داخل مع ما قبله من إنكار استعجالهم به بعد إتيانه حكما ، تحت القول المأمور به. أي : أبعد ما وقع العذاب وحلّ بكم حقيقة ، آمنتم به حين لا ينفعكم الإيمان؟ إنكارا لتأخيره إلى هذا الحد ، وإيذانا باستتباعه للندم والحسرة ، ليقلعوا عما هم عليه من العناد ، ويتوجهوا نحو التدارك قبل فوت الفوات ـ أفاده أبو السعود.
وقوله تعالى : (آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) على إرادة القول. أي : قيل لهم إذا آمنوا بعد معاينة العذاب (آلآن آمنتم به)؟ وذلك إنكارا للتأخير ، وتوبيخا عليه. وسر وضع (تَسْتَعْجِلُونَ) موضع (تكذبون) الذي يقتضيه الظاهر ، الإشارة إلى أن المراد به الاستعجال السابق ، وهو التكذيب والاستهزاء ، استحضارا لمقالتهم فهو أبلغ من (تكذبون).
وقيل : الاستعجال كناية عن التكذيب ، وفائدة هذه الحال استحضارها. وهذا ما ذكروه ، ولا مانع من بقاء الاستعجال على حقيقته ، يدل عليه آية : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً ...) [الأنفال : ٣٢] إلخ ، فهم مع تهكمهم رضوا بأن يعاينوا آية يعذبون بها ، لما في قلوبهم من مرض العناد العضال ، والجهل المصم المعمي ، ولذلك أجيبوا بأن العذاب هل فيه ما يستعجل منه. أي فمثل هذا الاستعجال لا يصدر ممن له مسكة من عقل ، إذ لا يستعجل إلا ما يرجى خيره ، ثم أعلمهم بعدم فائدة إيمانهم وقتئذ ، وما يوبخون به إنكارا للتأخير ـ والله أعلم ـ.