القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥٣)
(ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ) في الآخرة (إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي تقولون وتعملون في الدنيا.
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي يستخبرونك (أَحَقٌّ هُوَ) أي الوعد بعذاب الخلد ، أو ادعاء النبوة أو القرآن (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي بفائتين العذاب. فهو. لاحق بكم لا محال من (أعجزه) الشيء إذا فاته. يصح كونه (أعجزه) بمعنى وجده عاجزا. أي : ما أنتم بواجدي العذاب أو من يوقعه بكم عاجزا عن إدراككم ، وإيقاعه بكم.
لطائف :
الأولى : دل سؤالهم هذا على محض جهلهم أو عنادهم ، لما ثبت من البرهان القاطع على نبوته بمعجز القرآن ، وإذا صحت النبوة لزم القطع بصحة كل ما ينبئهم عنه ، مما يصدعهم به.
الثانية ـ إنما أمر بالقسم لاستمالتهم وللجري على ما هو المألوف في المحاورة ، من تحقيق المدعي ، فإن من أقسم على خير ، فقد كساه حلة الجد ، وخلع عنه لباس الهزل : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ، وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق : ١٣ ـ ١٤].
الثالثة ـ لما كانت الناس طبقات ، كان منهم من لا يسلم إلا ببرهان حقيقيّ ، ومنهم من لا ينتفع به ، ويسلم إلا بالأمور الإقناعية ، نحو القسم ، كالأعرابيّ (١) الذي قدم على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وسأله عن رسالته وبعثه ، وأنشده بالذي بعثه ، ثم اقتنع بقوله صلوات الله عليه : «اللهم نعم ، فقال : آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة» ـ رواه البخاري في أوائل كتاب العلم ـ.
الرابعة ـ قال ابن كثير : هذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان ، يأمر الله تعالى رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : العلم ، ٦ ـ باب ما جاء في العلم وقوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ، حديث رقم ٥٥.