وعده من الثواب والعقاب فهو حق ، وهو القادر على الإحياء والإماتة ، لا يقدر عليهما غيره ، وإلى حسابه وجزائه المرجع ، ليعلم أن الأمر كذلك ، فيخاف ويرجى ، ولا يغتر به المغترون ـ كذا في الكشاف.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥٧)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي تزكية نفوسكم بالوعد والوعيد ، والإنذار والبشارة ، والزجر عن الذنوب المورطة في العقاب ، والتحريض على الأعمال الموجبة للثواب ، لتعلموا على الخوف والرجاء (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) أي القلوب من أمراضها ، كالشك والنفاق ، والغل والغش ، وأمثال ذلك ، بتعليم الحقائق ، والحكم الموجبة لليقين ، وتصفيتها بقبول المعارف ، والتنوّر بنور التوحيد (وَهُدىً) أي لنفوسكم من الضلالة (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي لمن آمن به بالنجاة من العذاب والارتقاء إلى درجات النعيم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨)
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ) يعني القرآن الذي أكرموا به (وَبِرَحْمَتِهِ) يعني الإسلام (فَبِذلِكَ) أي فبمجيئهما (فَلْيَفْرَحُوا) أي لا بالأمور الفانية القليلة المقدار ، الدنيئة القدر والوقع ، (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي من الأموال وأسباب الشهوات ، إذ لا ينتفع بجميعها ولا يدوم ، ويفوت به اللذات الباقية ، بحيث يحال بينهم وبين ما يشتهون.
والفاء داخلة في جواب شرط مقدر ، كأنه قيل : إن فرحوا بشيء فبهما فليفرحوا. أو هي رابطة لما بعدها بما قبلها ، لدلالتها على تسبب ما بعدها عما قبلها. والفاء الثانية زائدة لتأكيد الأولى ، أو الزائدة الأولى ، لأن جواب الشرط في الحقيقة (فَلْيَفْرَحُوا) و (بذلك) مقدم من تأخير ، وزيدت فيه الفاء للتحسين. وكذلك جوز أن يكون بدلا من قوله : (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ).
ثم بين تعالى أن من فضله على الناس تبيين الحرام من الحلال على ألسنة