البخاري (١) في صحيحه في الرد على الجهمية :
قال أبو العالية : استوى إلى السماء ارتفع. وقال مجاهد : استوى على العرش علا ، أي بلا تمثيل ولا تكييف ، والعرش : هو الجسم المحيط بجميع الكائنات ، وهو أعظم المخلوقات و «الأيام» قيل : كهذه ، وقيل : كل يوم كألف سنة.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أي يقضي ويقدر ، على حسب مقتضى الحكمة أمر الخلق كله ، و (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) تقرير لعظمته وعز جلاله ، ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله. (ذلِكُمُ اللهُ) إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة ، أي ذلك العظيم الموصوف بما وصف هو (رَبَّكُمُ) أي الذي رباكم لتعبدوه (فَاعْبُدُوهُ) أي وحّدوه بالعبادة. (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي تتفكّرون أدنى تفكّر فينبهكم على أنه المستحق للربوبية والعبادة. لا ما تعبدونه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤)
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) أي الموت أو النشور. أي لا ترجعون في العافية إلا إليه ، فاستعدوا للقائه (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي صدقا ، ثم علل وجوب المرجع إليه بقوله سبحانه : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي بعد الموت (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) أي بعدله أو بعدالتهم وقيامهم على العدل في أمورهم ، أو بإيمانهم ، لأنه العدل القويم ، كما أن الشرك ظلم عظيم ، وهو الأوجه لمقابلة قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي من ماء حارّ قد انتهى حره (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع يخلص ألمه إلى قلوبهم (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) تعليل لقوله. لمقابلة قوله ، فإن معناه ليجزي الذي كفروا بشراب من حميم ، وعذاب أليم ، بسبب كفرهم ، لكنه غيّر النظم للمبالغة في استحقاقهم للعقاب بجعله حقا مقررا لهم ، كما تفيده «اللام» وللتنبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة. والعقاب واقع بالعرض بكسبهم ، وعلى أنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما لا تحيط
__________________
(١) أخرجه البخاري في التوحيد ، ٢٢ ـ باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم.