الثانية : جملة (وأن أقم) عطف على (أن أكون) وجاز حكاية صلة (أن) بصيغة الأمر ، لأنه لا فرق في صلة الموصول الحرفي بين الطلب وبين الخبر ، لأن القصد وصلها بما يتضمن معنى المصدر ، وهو يحصل بكل فعل. وقال بعضهم : إن هنا فعلا مقدرا. أي وأوحى إليّ أن أقم ، وأنه يجوز أن تكون (أن) مصدرية ومفسرة ، لأن في المقدر معنى القول دون حرفه ، ثم رجحه بأنه يزول فيه قلق العطف ، ويكون الخطاب في وجهك في محله. وردّ بأن الجملة المفسّرة لا يجوز حذفها ، ولا قلق في هذا العطف ، وأمر الخطاب سهل ، لأنه لملاحظة المحكي ، والأمر المذكور معه ـ كذا في (العناية).
وقوله تعالى : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تهييج وحث له على عبادة الله تعالى ، ومنع لغيره ، كما تقدم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٠٦)
(وَلا تَدْعُ) أي لا تعبد (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ) أي لا في الدنيا ولا في الآخرة إن عبدته (وَلا يَضُرُّكَ) إن لم تعبده (فَإِنْ فَعَلْتَ) أي عبدته (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) أي الضّارّين لنفسك أو بوضع الأمر في غير موضعه (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠٧)
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) : لما نهى تعالى عن عبادة الأوثان ، ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر ، بين أنه سبحانه هو الضار النافع ، الذي إن أصاب بضر لم يقدر على كفه إلا هو وحده ، دون كل أحد ، كيف بالجماد الذي لا شعور به. وكذلك إن أراد بخير ، لم يردّ أحد ما يريده من فضله وإحسانه ، فكيف بالأوثان؟ فهو الحقيقي ، إذا بأن توجه إليه العبادة دونها.