لطائف :
قيل : ذكر المس في أحدهما ، والإرادة في الثاني ، للإشارة إلى أنهما متلازمان ، فما يريده يصيبه ، وما يصيبه لا يكون إلا بإرادته. لكنه صرح في كل منهما بأحد الأمرين ، إشارة بالذات ، فلذا لم يعبر فيه بالإرادة.
وقيل : قصد الإيجاز ، فذكر في كل من الفقرتين المتقابلتين ما يدل على إرادة مثله في الأخرى ، لاقتضاء المقام تأكيد كل من الترغيب والترهيب ، وهو نوع من البديع يسمى احتباكا.
قال أبو السعود : على أنه قد صرح بالإصابة حيث قيل (يصيب به) إظهارا لكمال العناية بجانب الخير ، كما ينبئ عنه ترك الاستثناء فيه. أي : يصيب بفضله الواسع المنتظم لما أرادك به من الخير.
روى ابن عساكر عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اطلبوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوه أن يستر عوراتكم ، ويؤمّن روعاتكم. ورواه عن أبي هريرة بمثله.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٨)
(قُلْ) أي لأولئك الكفرة الفجرة ، بعد ما بلغتهم دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ، وأنذرتهم ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني القرآن (فَمَنِ اهْتَدى) أي الإيمان به ، (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي منفعة اهتدائه لها خاصة. (وَمَنْ ضَلَ) أي بالكفر به (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي فوبال الضلال عليها. والمعنى : لم يبق لكم بمجيء الحق عذر ، ولا على الله حجة ، فمن اختار الهدى واتباع الحق ، فما نفع إلا نفسه ، ومن آثر الضلال ، فما ضر إلا نفسه ، وفيه تنزيه ساحة الرسالة عن شائبة غرض عائد إليه ، عليهالسلام ، من جلب نفع أو ضر ، كما يلوح به إسناد المجيء إلى الحق ، من غير إشعار بكون ذلك بواسطته ، ـ أفاده أبو السعود ـ.
(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي بحفيظ موكول إليّ أمركم ، وإنما أنا بشير ونذير.