المنافع الظاهرة ، وأبدع في كل كائن صنعه ، وأحسن كل شيء خلقه ، وميز الإنسان وعلمه البيان ـ يكون من رحمته وحكمته اصطفاء من يشاء لرسالته ، ليبلغ عنه شرائع عامة ، تحدد للناس سيرهم في تقويم نفوسهم ، وكبح شهواتهم ، وتعلمهم من الأعمال ما هو مناط سعادتهم وشقائهم في الآخرة ، كما أشار إلى ذلك بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠)
(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي فلا يتوقعون الجزاء (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) أي لا يتفكرون فيها (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) أي بسببه ، إلى مأواهم ، وهي الجنة ، وإنما لم تذكر تعويلا على ظهورها ، وانسياق النفس إليها ، لا سيما بملاحظة ما سبق من بيان مأوى الكفرة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي من تحت منازلهم أو بين أيديهم. (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي دعاؤهم هذا الكلام ، لأن (اللهُمَ) نداء ، ومعناه : اللهم إنما نسبحك ، كقول القانت : اللهم إياك نعبد. يقال : دعا يدعو دعاء ودعوى ، كما يقال : شكا يشكو شكاية وشكوى ، ويجوز أن يراد بالدعاء العبادة ، ونظيره آية (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [مريم : ٤٨] : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي ما يحيي به بعضهم بعضا ، أو تحية الملائكة إياهم ، كما في قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٥٨] ، أو تحية الله عزوجل لهم كما في قوله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٣٦]. و «التحية» التكرمة بالحالة الجلية أصلها : أحياك الله حياة طيبة. و «السّلام» بمعنى السلامة من كل مكروه. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) أي وخاتمة دعائهم هو التسبيح (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي حمده تعالى : والمراد من الآية أن دعاء أهل الجنة وعبادتهم هو قولهم. سبحانك اللهم وبحمدك. وإيثار التعبير عن