القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (١٥)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) أي رحمته وعنايته ولطفه وإمداده في كل لمحة ونفس. وسرّ وصل الآية بما قبلها من التهكم بالأنداد ، لتذكيرهم الالتجاء إليه تعالى. والتضرع والابتهال إذا مسهم الضر وأخذت البأساء بمخانقهم ، فإنهم يشعرون من أنفسهم دافعا إلى سؤاله لا مردّ له. وحاثّا إلى اللجإ إليه لا صادّ عنه. كما بين في غير آية. مما يدل على أنه تعالى هو الحقيق بالعبادة. لغناه المطلق ، كما قال (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي المحمود لنعمه التي لا تحصى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (١٧)
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي بممتنع. قال الزمخشريّ : وهذا غضب عليهم ، لاتخاذهم له أندادا ، وكفرهم بآيه ، ومعاصيهم ، كما قال : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد : ٣٨].
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١٨)
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس آثمة (وِزْرَ أُخْرى) أي إثم نفس أخرى ، بل إنما تحمل وزرها الذي اقترفته ، لا تؤخذ نفس بذنب نفس. كما تأخذ جبابرة الدنيا الوليّ بالوليّ والجار بالجار ، ولا يرد آية (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] ، لأنها في الضالين المضلين ، وأنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم ، وذلك كله أوزارهم ، ما فيها شيء من وزر غيرهم.
(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) أي نفس أثقلتها الأوزار (إِلى حِمْلِها) أي إلى حمل بعض أوزارها ليخفف عنها (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) أي لم تجب ولم تغث بحمل شيء (وَلَوْ كانَ) أي المدعوّ المفهوم من الدعوة (ذا قُرْبى) أي ذا قرابة من الداعي ، من أب أو ولد أو أخ. وهذا قطع لأطماع انتفاعهم بقرابتهم وغنائهم عنهم. وأنه لا تملك نفس