وقد روي أن عمر بن عبد العزيز حدّث بنبإ داود على ما يرويه القصاص ، وعنده رجل من أهل الحق. فكذّب المحدّث به ، وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله ، فما ينبغي أن يلتمس خلافها. وأعظم بأن يقال غير ذلك ، وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا على نبيّه ، فما ينبغي إظهارها عليه. فقال عمر : لسماعي هذا الكلام ، أحبّ إلى مما طلعت عليه الشمس. نقله الزمخشري.
قال الناصر في (الانتصاف) : وقد التزم المحققون من أئمتنا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، داود وغيره ، منزهون من الوقوع في صغائر الذنوب ، مبرءون من ذلك ، والتمسوا المحامل الصحيحة لأمثال هذه القصة. وهذا هو الحق الأبلج ، والسبيل الأبهج ، إن شاء الله تعالى ، انتهى.
التنبيه الثاني ـ قال ابن الفرس : في هذه القصة دليل على جواز القضاء في المسجد (أي لظاهر المحراب. إلا أنه ليس نصّا في محراب المسجد) والتلطف في ردّ الإنسان عن المكروه صنعه. وأنه لا يؤاخذ بعنف ما أمكن. وجواز المعاريض من القول.
قال الزمخشري : وإنما جاءت على طريقة التمثيل والتعريض ، دون التصريح ، لكونها أبلغ في التوبيخ. من قبل أن المتأمل إذا أدّاه إلى الشعور بالمعرّض به ، كان أوقع في نفسه ، وأشد تمكنا من قلبه ، وأعظم أثرا فيه ، وأجلب لاحتشامه وحيائه ، وأدعى إلى التنبيه على الخطأ فيه ، من أن يباده به صريحا ، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة. ألا ترى إلى الحكماء؟ كيف أوصوا في سياسة الولد ، إذا وجدت منه هنة منكرة ، بأن يعرّض له بإنكارها عليه ، ولا يصرح. وأن تحكي له حكاية ملاحظة لحاله ، إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية ، فاستسمج حال نفسه. وذلك أزجر له. لأنه ينصب ذلك مثالا لحاله ، ومقياسا لشأنه. فتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة ، مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة.
الثالث ـ قال ابن مسعود في قوله تعالى : (إِنَّ هذا أَخِي) أي على ديني. أخرجه ابن أبي حاتم. ففيه جواز إطلاق (الأخ) على غير المناسب. واستدل بقوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) على جواز الشركة. أفاده في (الإكليل).
الرابع ـ قال السيوطيّ في (الإكليل) : استدل بقوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً) من أجاز التعويض عن سجود التلاوة بركوع. والأكثرون على أن الركوع هنا مجاز مرسل ، عن السجود. لأنه ، لإفضائه إليه ، جعل كالسبب ، ثم تجوّز به عنه. أو هو استعارة له ، لمشابهته له في الانحناء والخضوع.