(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) أي بعثنا لهم نظراء من الشياطين اقترنوا بهم (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي حسّنوا لهم أعمالهم كلها ، الحاضرة والمستقبلة. فالطرفان كناية عن الجميع ، أو ما بين أيديهم من جرائم الدنيا ، وما خلفهم من التكذيب بالمعاد. قال الشهاب : وتفسير أمور الدنيا بما بين أيديهم ، لحضورها عندهم ، كالشيء الذي بين يديك تقلّبه كيف تشاء. والآخرة بما خلفهم ، لعدم مشاهدتها ، كالشيء الذي خلفك ، أو لكونها ستلحق بهم. وقد يعكس فيجعل ما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة ، وما خلفهم الدنيا لمضيّها وتركها كما مرّ قريبا.
وقال القاشاني في تفسير الآية : أي قدرنا لهم أخدانا وأقرانا من شياطين الإنس أو الجن ، من الوهم والتخيل ، لتباعدهم من الملأ الأعلى ، ومخالفتهم بالذات للنفوس القدسية والأنوار الملكوتية ، بانغماسهم في المواد الهيولانية. واحتجابهم بالصفات النفسانية ، وانجذابهم إلى الأهواء البدنية والشهوات الطبيعية. فناسبوا النفوس الأرضية الخبيثة والكدرة المظلمة. وخالفوا الجواهر القدسية. فجعلت الشياطين أقرانهم وحجبوا عن نور الملكوت (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي ما بحضرتهم من اللذات البهيمية والسبعية ، والشهوات الطبيعية في (وَما خَلْفَهُمْ) أي من الآمال والأماني التي لا يدركونها (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي في القضاء الإلهي. بالشقاء الأبدي (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ) من المكذّبين بأنبيائهم ، الضالين المضلين (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ستروا زينة أدلة القرآن عن أتباعهم. الذين زينوا لهم شبهاتهم الواهية (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) أي إذا قرأه ، ولا تصغوا له ، كيلا يؤثر عليكم وعظه (وَالْغَوْا فِيهِ) أي ائتوا باللغو عند قراءته ، ليختلط. فلا يمكنه القراءة. والمراد باللغو ما لا أصل له. أو ما لا معنى له (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي تصدّون من أراد استماعه ، عن استماعه ، فلا يسمعه. وإذا لم يسمعه ، ولم يفهمه ، لم يتبعه. فتغلبون بكيدكم هذا حججه ، التي يغلب بها عقولكم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٢٨)
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) أي المكث الأبدي. وفي النظم الكريم من البديع ، التجريد. وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة ، آخر مثله ، مبالغة فيها. لأنها نفسها دار