وروى أبو داود (١) ؛ أن ابن مسعود رضي الله عنه أتى برجل ، فقيل له : هذا فلان ، تقطر لحيته خمرا! فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به ـ والرجل سماه ابن أبي حاتم في روايته : الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
وروى أبو داود (٢) عن معاوية قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم ، أو كدت أن تفسدهم». فقال أبو الدرداء رضي الله عنه : كلمة سمعها معاوية من رسول الله ، نفعه الله بها.
وروى الإمام أحمد (٣) عن دجين ، كاتب عقبة ، قال : قلت لعقبة : إنا لنا جيرانا يشربون الخمر ، وأنا داع لهم الشّرط فيأخذونهم! قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم! قال : ففعل فلم ينتهوا. قال : فجاءه دجين فقال : إني نهيتهم فلم ينتهوا ، وإني داع لهم الشّرط فتأخذهم! فقال له عقبة : ويحك! لا تفعل ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها»!.
وروى أبو داود (٤) عن أبي أمامة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم».
قال الأوزاعيّ : ويدخل في التجسس استماع قوم وهم له كارهون.
(وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي لا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ، ما يكره المقول فيه ذلك ، أن يقال له في وجهه. يقال : غابه واغتابه ، كغاله واغتاله ، إذا ذكره بسوء في غيبته. (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)؟ أي فلو عرض عليكم ، نفرت عنه نفوسكم ، وكرهتموه. فلذا ينبغي أن تكرهوا الغيبة. وفيه استعارة تمثيلية ، مثّل اغتياب الإنسان لآخر بأكل لحم الأخ ميتا.
لطائف :
الأولى ـ قال الزمخشريّ : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ) إلخ تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه ، وفيه مبالغات شتى : منها ـ الاستفهام الذي معناه التقرير (وهو يفيد المبالغة من حيث إنه لا يقع في كلام مسلم
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : الأدب ، ٣٧ ـ باب في النهي عن التجسس ، حديث رقم ٤٨٩٠.
(٢) أخرجه أبو داود في : الأدب ، ٣٧ ـ باب في النهي عن التجسس ، حديث ٤٨٨٨.
(٣) أخرجه في المسند ٤ / ١٤٧.
(٤) أخرجه في : الأدب ، ٣٧ ـ باب في النهي عن التجسس ، حديث رقم ٤٨٨٩.