عند كل سامع ، حقيقة أو ادعاء) ومنها ـ جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة. ومنها ـ إسناد الفعل إلى (أحدكم) والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك.
ومنها ـ أن لم يقتصر تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان ، حتى جعل الإنسان أخا.
ومنها ـ أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ ، حتى جعل ميتا. انتهى.
وقال ابن الأثير في (المثل السائر) في بحث الكناية : فمن ذلك قوله تعالى (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ) إلخ فإنه كنى عن الغيبة بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله ، ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله ميتا ، ثم جعل ما هو الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة. فهذه أربع دلالات واقعة على ما قصدت له ، مطابقة للمعنى الذي وردت من أجله. فأما جعل الغيبة كأكل لحم الإنسان لحم إنسان آخر مثله ، فشديد المناسبة جدا ، لأن الغيبة إنما هي ذكر مثالب الناس ، وتمزيق أعراضهم. وتمزيق العرض مماثل لأكل الإنسان لحم من يغتابه ، لأن أكل اللحم تمزيق على الحقيقة. وأما جعله كلحم الأخ فلما في الغيبة من الكراهة ، لأن العقل والشرع مجتمعان على استكراهها ، آمران بتركها ، والبعد عنها. ولما كانت كذلك جعلت بمنزلة لحم الأخ في كراهته. ومن المعلوم أن لحم الإنسان مستكره عند إنسان آخر ، إلا أنه لا يكون مثل كراهة لحم أخيه. فهذا القول مبالغة في استكراه الغيبة. وأما جعله ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ، فلما جبلت عليه النفوس من الميل إلى الغيبة ، والشهوة لها ، مع العلم بقبحها فانظر أيها المتأمل إلى هذه الكناية تجدها من أشد الكنايات شبها ، لأنك إذا نظرت إلى كل واحدة من تلك الدلالات الأربع التي أشرنا إليها ، وجدتها مناسبة لما قصدت له. انتهى.
الثانية ـ الفاء في قوله تعالى (فَكَرِهْتُمُوهُ) فصيحة في جواب شرط مقدّر. والمعنى : إن صح ذلك ، أو عرض عليكم هذا ، فقد كرهتموه ، فما ذكر جواب للشرط ، وهو ماض فيقدر معه (قد) ليصح دخول الفاء على الجواب الماضي ، كما في قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) [الفرقان : ١٩] ، وضمير (فَكَرِهْتُمُوهُ) للأكل ، وقد جوز كونه للاغتياب المفهوم منه. والمعنى : فاكرهوه كراهيتكم لذلك الأكل. وعبر عنه بالماضي للمبالغة ، فإذا أوّل بما ذكر يكون إنشائيا غير محتاج لتقدير (قد) ـ أفاده الشهاب ـ.
الثالثة ـ قال ابن الفرس : يستدل بالآية على أنه لا يجوز للمضطر أكل ميتة