مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨))
قوله تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) تبيّن ما استتر عن الكون في الكون في علم الأزل من السعادة والشقاء ، فظهرت سمة السعادة والشقاوة من المقبولين والمطرودين ؛ لأن في جباه السعداء مصابيح أنوار المعرفة تلوح ، وفي جباه الأشقياء كدورات ظلمات الغي تبوح.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) الطاغوت رؤية الطاعات ، والطمع في المكافآت ، فمن يكفر بها فهو من أهل المشاهدات ، والطاغوت يقع على كل شيء سوى الله تعالى من الدنيا والنفس والشيطان. وقيل : طاغوت كل امرئ نفسه.
قال الشيخ أبو عبد الرحمن رحمهالله : من لم يتبرأ من الكلي لا يصح له الإيمان بالله.
(وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي : من أقبل من نفسه وحوله وقوته إلى خالقه فقد وجده بنعت الحفظ والكلاية ، (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) هي ذات الحق سبحانه وجل عن التشبيه ، وأيضا هي المحبة والمشاهدة ، وأيضا هي العصمة القديمة التي سبقت بنعت العناية الأزلية لأهل المعرفة.
وقيل : (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) التوفيق في السبق والسعادة في الختم.
وقيل : (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) محمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : لا إله إلا الله. وقيل : هي السنة.
(لَا انْفِصامَ لَها) (١) ترجيه من الله لأهل المعرفة ، أي من تمسك بحبلي فاز في الدارين ، وسعد في المنزلين ، ولا يدخل في حجال عصمته خلل الحوادث ؛ لأنه في كنف العناية محروسا بالكفاية ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) لوجدهم من ظلمات العدم إلى كشف أنوار القدم ، وأيضا يخرجهم من ظلمات الامتحان إلى مشاهدة البيان ، وأيضا يخرجهم من ظلمات العبودية إلى جمال الربوبية ، وأيضا يخرجهم من الفرح بما وجدوا من المقامات والدرجات إلى نور مشاهدة الذات والصفات ، وأيضا يقدسهم ويخرجهم من ظلمات البشرية بمياه الشفقة لنور الأبدية ، وأيضا يزيلهم عن أوصافهم المحدثة ويقربهم إلى بساط الجزية ، ويلبسهم صفات الأزلية وسناء الصمدية.
وقال ابن عطاء : يغنيهم عن صفاتهم بصفته ، فيندرج صفاتهم تحت صفاته ، كما
__________________
(١) أي : لا انقطاع وهو استئناف لبيان قوة دلائل الحق بحيث لا يعتريها شيء من الشبه والشكوك ، فإن العروة الوثقى استعارة المحسوس للمعقول لأن من أراد إمساك هذا الدين تعلق بالدلائل الدالة عليه ، ولما كانت دلائل الإسلام أقوى الدلائل وأوضحها وصفها الله بأنها العروة الوثقى. تفسير حقي (٢ / ٥٩).