قال الواسطي : هذا ترهيب للعام وأما للخواص بقوله : (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ).
قال بعضهم : من لم يتعظ بمواعظ القرآن فليس له سواه سقط ، وأي موعظة أعظم مما أخبر الله به عباده من الرجوع إليه ، فمن لم يحزن ؛ لذلك الموقف ولم يبك لذلك المشهد فبأي موعظة يتعظ؟ والذي يمضي فيه غير موثوق والذي يبقى غير مأمون.
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))
قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) أي : لا تكتموا ما أشهدكم الله من مقام أهل الولاية بأن تخملوا ذكرهم حسدا عليهم (وَمَنْ يَكْتُمْها) يعني : ما خصهم الله به (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) أي : جزاء كتمانه قسوة قلبه ، وإثم قلبه الحسد بأهل الولاية ، وجزاء الحسد الطبع والختم ، نعوذ بالله من ذلك.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : لله خزائن ملكوت الكونين وأسرار غيب العالمين ، لا يكشفها إلا لخواص أحبته.
قال ابن عطاء : الكونان هو مبديهما من غير شيء فمن اشتغل بهما قطعاه عن الله ، ومن أقبل على الله وتركهما ملكهما الله تعالى إياه (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) أي : إن تظهروا ما في قلوبكم من حقائق المكاشفات والمخاطبات ليقتدي به أهل الإرادة ، وتخفوه عجائب الغيب التي ترى عيون الأرواح القدسية تورعا لئلا تفتتن بها أقوام من شفعاء المؤمنين لقلة فهمهم يرينكم الله تمكين المظاهر بما أظهرتم ، حتى لا تفتتنوا بدقائق الرياء والسمعة ، وبيقين الباطن بما أخفيتم من الخلق إخلاصا وصدقا لتذوقوا حلاوة صفاء الإخلاص في كتمان الأسرار ، وأيضا : أن تبدوا في الظاهر من شره الإحساس متابعة الوسواس (أَوْ تُخْفُوهُ) ما تحدث به أنفسكم في باطنكم من أطباء القلوب وحراس الغيوب يجازيكم بفتنة النفس والشيطان والغفلة والشهوة (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لمن يدفع خطرات الباطن ترغيبا ، (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) لمن يتبع هواه بدخوله في الزلات تهذيبا.
وقال جعفر : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) الإسلام ، (أَوْ تُخْفُوهُ) قال : الإيمان.