سقط عن حظ الدنيا والآخرة ، يغرّ بها سادة أوليائه فهلكوا جميع القلوب بفراسة نور الغيب ، ويذل بإنزاعها عن أعدائه حتى لا ينالوا عهد كرامته في الدنيا والآخرة ، وأيضا (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) يعني : صرف المحبة بحلية الكرامة ، ونعت الطّهارة عن الأكوان ، (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ملك العبودية وعرفان الربوبية (مِمَّنْ تَشاءُ) ، أي : من ليس له استعداد المعرفة ، (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بالأنس ، والشوق ، والعشق ، (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بالخذلان ، والحرمان ، وفقد حقائق القرآن.
قال أبو عثمان : (الْمُلْكِ) الإيمان وهذا دليل على أنّ الإيمان لا يتحقق على شخص إلا بعد الكشف والسلامة له في الانقلاب إلى ربّه ، وربّما يكون عارية ، وربّما يكون عطاء ، قال الله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) فهو مترسّم برسم الملوك ، وقد نزع منه ملكه.
وقال بعضهم : ملك الدين ، والشريعة ، وفرضها ، وسنتها ، (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) الهداية والتوفيق ، (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بولايتك (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بإهانتك ، (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) إنّك القادر على من تشاء ، كيف تشاء.
وقال محمد بن على : الملك المعرفة ، تعطي معرفتك من تشاء من عبادك ، وتنزعها عمّن تشاء ، (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) باصطفائك واجتبائك ، (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بالإعراض عنه ، (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي : منك الاصطفاء والاجتباء ، قبل إظهار عبادة العابدين.
وقال الحسين : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) فتشغله به ، (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أي : ممن اصطفيته لك فلا يؤثر فيه أسباب الملك لأنّه في أسرار الملك ، (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بإظهار عزّتك عليه ، (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (١) بإنصافه برسوم الهياكل.
وقال الواسطي : طوبى لمن ملكه قلبه وجوارحه ، كي يسلم من شرورهما.
وقال الشبلي : (الْمُلْكِ) الاستغناء بالمكون عن الكونين.
(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ
__________________
(١) بخذلانك ، وتعز من تشاء بأن تهديه ليشهدك ويوحدك ، وتذل من تشاء بأن يجحدك ويفقدك وتعزّ من تشاء بيمن إقبالك ، وتذل من تشاء بوحشة إعراضك ، وتعزّ من تشاء بأن تؤنسه بك ، وتذل من تشاء بأن توحشه عنك ، وتعز من تشاء بأن تشغله بك ، وتذل من تشاء بأن تشغله عنك ، وتعز من تشاء بسقوط أحكام نفسه ، وتذل من تشاء بغلبة غاغة نفسه ، وتعز من تشاء بطوالع أنسه وتذل من تشاء بطوارق نفسه ، وتعز من تشاء ببسطه بك ، وتذل من تشاء بقبضه عنك.