فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) : «على البر والتقوى والتواضع ، وذلة النفس» (١).
وسئل عمرو بن عثمان المكي عن المحبة! قال : المحبة في نفسها أصلها التواضع في القلوب من لطف المعاني التي يعاينها من المحبوب على شرط ما تعلقت به.
وسئل سهل بن عبد الله : ما علامة المحبوب؟ فقال : ألا يزال لسانه ذاكرا لحبيبه مشغوفا به ، مستأنسا مسرورا به ، حامدا شاكرا له ، وجوارحه مشغولة بمرضاة حبيبه ، فهو المحب له ، والمرضي عنه.
وقال الأستاذ : المحبة تشير إلى صفاء الأحوال ، والمحبة توجب الاعتكاف بحضرة المحبوب بالسر ، ويقال : أحب البعير إذا استناخ ، فلا يبرح بالضرب ، وللحب حرفان حاء وباء ، والإشارة بالحاء إلى الروح ، والإشارة من الباء إلى البدن ، والمحب لا يدخر عن محبوبه لا قلبه ولا بدنه.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) الآية اصطفى آدم بعلم الصفات ، وكشف جمال الذات قبل خلق الخلق في أزل الأزل ، فإذا أراد خلق روحه نظر بجماله إلى جلاله ، ونظر بجلاله إلى جماله فظهر بين النظريين روح آدم فخلقها بصفة الخاص ، ونفخ في روحه روحا ، وهو علم الصفات بفعل الخاص الذي يتعلق بالذات ، وخلق أيضا صورته بصفة الخاص ، ونفخ فيها روح الأول وروح الثاني ، فوصف روحه فقال : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] ووصف صورته فقال : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] فسبق بهذه الصفات من الملائكة الكرام البررة ، وألبسه خلعة خلافته ، وأسجد له ملائكته لأجل هذا التخصيص كرامة له وتشريفا وتفضيلا على مشايخ الملكوت ، وقال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ، وقال : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] لا تؤثر في نعوت الأزل طوارقات الحدوث ما دام الاصطفاء بهذه الصفة سابق له ، وأيضا اصطفاهم لنفسه عن خلقه لموقع الخطاب ، وكشف النقاب لاستعدادهم تحمل أثقال أمانته ، والتعمق في بحار أزليته ، والسيران في ميادين وحدانيته ، والطيران في هواء فوقانيته لطلب كشف أحديته ، وجمال سرمديته ، والإشارة في نوح عليهالسلام وآل إبراهيم عليهالسلام أنّ الاصطفاء من سبب المحبة الأزلية لا من جهة الأنساب الحديثة ، كما قال الأستاذ رحمة الله عليه : اتفق آدم وذريته في الطبقة وإنما الخصوصية بالاصطفاء الذي هو من قبله لا بالنسب والسبب.
وقال الفارس : اصطفاهم على الناس لثبوته ، واستخلصهم لرسالته ، فهم المبعوثون إلى
__________________
(١) رواه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (٤ / ٣٦).