ولا ينبغي لمن حمل حرّا إلا أن يكون هو أيضا حرا.
قال الأستاذ : المحرر الذي ليس في رق شيء من المخلوقات ، حرره الحق في سابق حكمه عن رق الاشتغال بجميع الوجود والأحوال.
قال جعفر : (مُحَرَّراً) أي : عتيقا من رق الدنيا وأهلها.
وقال محمد بن علي في قوله : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) أي : يكون لك عبدا مخلصا ، ومن كان خالصا لك كان حرّا مما سواك.
وسئل سهل بن عبد الله عن المحرر فقال : هو المعتق من إرادة نفسه ، ومتابعة هواه.
وقال النوري : أي : خادما لأهل صفوتك.
قال أبو عثمان : (مُحَرَّراً) عن شغلي به ، وتدبيري له فيكون مسلم إلى تدبيرك فيه حسن اختيارك له.
وقال محمد بن الفضل : (مُحَرَّراً) عن الاشتغال بالمكاسب.
قوله تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) قبول الحق لها أنه أخلصها لعبادته ، وجعلها محل آيته وكرامته ، ورباها في حجر صفوة أنبيائه وأوليائه ، وكشف لها من عظيم آياته ما لا يقوم بإزائها أكثر أهل زمانها الأنبياء ، وأرسل إليها في الظاهر روح القدس حتى يعلمها حسن الأدب ، ونفخ فيها روح الخاص الذي هو طير الأنس ، حتى يكون لها ذخيرة المآب. وقال جعفر : يقبلها حتى يعجب الأنبياء مع علو أقدارهم في عظم شأنها عند الله.
ألا يرى أن زكريا قال لها : (أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : من عند من تقبلني.
وقال الواسطي : (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) محفوظ قوله تعالى : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أنبتها شجرة الربوبية وسقاها من مياه القدرة حتى أثمرها ثمرة النبوة ؛ لتكون الثمرة حياة الخلق ؛ لأنها هي روح الحق يعني عيسى ، وقيل : أضاف الإحسان إليها في الشريعة وفي الحقيقة حفظها وأنبتها.
وقال ابن عطاء : أحسن النبات ما كان ثمرته مثل عيسى عليهالسلام روح الله.
وقال الأستاذ : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) حيث بلغها فوق ما تمنت أمها ، وقيل : القبول الحسن إن رباها على نعت العصمة ، حتى كانت بقول : (أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) [مريم : ١٨].
وقال أيضا : من إشارات القبول الحسن أنها لم تكن توجد إلا في المحراب (وَكَفَّلَها