زَكَرِيَّا) ؛ لأن خدمة الأولياء لا تحصل إلا من الأولياء ، وأيضا أنه يوافقها في جميع أحوالها من الخلوة والمراقبة والسر والنجوى والمشاهدة والمكاشفة (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) يرزقها الله تعالى زرق الجنة في الخلوة مكافأة للخدمة والعفة كرامة لها حتى لا يشغلها تولاه المخلوق ، ويكون في حقيقة التوكل ما فيه من الالتفات إلى غير الحق ، وإن كان نبيّا مرسلا.
وقال الأستاذ : إذا دخل عليها زكريا بطعام وجد عندها رزقا ليعلم العالمون أن الله سبحانه لا يلقي شغل أوليائه إلى غيره.
وقال : من خدم وليّا من أوليائه كان هو في رفق الولي لا أنه يكون عليه مشقة لأجل أوليائه.
وقال : في هذه إشارة لمن يخدم الفقراء لا أن الفقراء تحت خلقه (أَنَّى لَكِ هذا) أي : بأي عمل أوجدت هذا (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : خالصا وجدته لا يكلفه العمل ، وعلة الكسب.
وأيضا خاف عليها أن تلك المنزلة من حيل الشيطان ففتش أحوالها حتى يعلم حقيقة صدقها ، فقال : (أَنَّى لَكِ هذا) (١) قالت : ليس كما خطر ببالك إنه من خصائص كرامات الله التي وهبها لي ليس فيها شيء من مخيلات الشيطان.
وقال الأستاذ : لم يكن يعتقد فيها زكريا استحقاق تلك المنزلة ، وكان يخاف أن غيره لعلة انتهز فرصة تعهدها وسعة بكفاية شغلها (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) إذا دخل زكريا على مريم وجد عندها من فواكه الألوان علم أنها من نفائس كرامات الله تعالى فتحرك فيه غيرة النبوة ، وسكن هناك في الخلوة ، وطلب من الله تعالى ولدا فأعطاه الله ما سأله.
وأيضا نظر بنور النبوة في مريم فأبصر فيها نور عيسى صلوات الله عليهم أجمعين يتشعشع في مريم ، ورأى كرامته عند الله فتمنى عليه ولدا مثل عيسى فناجى ربه بلسان الاضطرار ، وسأل عنه يحيى عليهالسلام مشكاة الأنوار ؛ فاستجاب الله تعالى دعوة شيخ الأنبياء شفقة
__________________
(١) من إمارات القبول الحسن أنها لم تكن توجد إلا في المحراب ، ومن كان مسكنه وموضعه الذي يتعبّد فيه وهناك يوجد المحراب ـ فذلك عبد عزيز ، ويقال من القبول الحسن أنه لم يطرح أمرها كلّه وشغلها على زكريا عليهالسلام : فكان إذا دخل عليها زكريا ليتعهدها بطعام وجد عندها رزقا ليعلم العاملون أن الله ـ سبحانه ـ لا يلقي شغل أوليائه على غير ، ومن خدم وليا من أوليائه كان هو في رفق الولي لا إنه تكون عليه مشقة لأجل الأولياء ، وفي هذا إشارة لمن يخدم الفقراء أن يعلم أنه في رفق الفقراء. تفسير القشيري (١ / ٣٠٧).