على غيرته ، وإظهارا لكرامته ، وهذا حسن الأدب للأولياء ، وأهل المعرفة إذا كانوا يحتاجون إلى الله تعالى بشيء من مرادهم خلوا عن الخلق ، ودخلوا في زوايا الصدق حتى يناولوا بالاعتزال عن الخلق والاشتغال بالدنيا والإخلاص في النجوى حقيقة مقام استجابة الدعوة ، لأن من لزم سيده في الخلوات والمراقبات يكشف له المقامات السنية والأحوال الشريفة من أسرار الآخرة وأنوار المعرفة (قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) سأل من الله من يعينه في طاعة الله ، ويكون له خليفة في أداء الرسالة والنصيحة للأمة ، وأيضا يكون له مشاورات السير في عالم الربوبية والعبودية ، ومؤنسا من الله في الكشف والحقيقة والعشق والمحبة ، (طَيِّبَةً) يعني مطهرا من أشغال الكونين منفردا عن إرادته مقدسا من شهواته ، فإذا علم الحق سبحانه صدق نيته أعطاه مأموله على الفور ليكون له معجزة وكرامة ، والإشارة فيه أن من طلب من الله شيئا بعينه في طاعته وسببا لمرضاته فيحصل له استجابة الدعوة في الساعة.
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١))
قوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) محل مناجات الحق الصلاة لأنها فيه عصمة الحق فيها نزول الوحي من دخل فيها بشرط التفريد ، وخلوص النية ألهمه الحق خصائص الخطاب ، وأخبره بما يكون قبل أن يكون ، و (الْمِحْرابَ) محل لزوم المراقبين فيه لأجل تعرض السر نفحات أسرار الحق ، وبروز نور التوحيد ، وكشف جمال مشاهدة الحضرة ، و (الْمِحْرابَ) محل الأنس ، وتصفية السر ، وذم الجوارح ، وإشراق اليقين ، وسبب الزلفة ، ووجدان حلاوة العبادة ، واسترواح الروح من أداء صحبة الخلق بوجدان صحبة الحق ، و (الْمِحْرابَ) فقر العباد ، وملجأ الزهاد ، ومعصم المتوكلين ، ومجلس المشتاقين ، ومسند الراضين ، وبستان المحبين ، وسرور المريدين ، ورياض العاشقين ، وكعبة المستأنسين ، وحرم المؤمنين ، وفوز التائبين ، وقيد الموحدين ، وستر الشطّاحين إذا أراد الله أن يستر أحدا من خاصة معرفته ألحاه إليه ليكون له مقويّا في مقاصده من الله.
وقال ابن عطاء : ما فتح الله على عبد من عبيده حالة سنية إلا بأتباع الأوامر وإخلاص