الأدب لزمان ظهور موهبة الله استقبالا إلى الله بشكر نعمته ليدوم عليه مواهب الإلهية (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) حصر لسان نبيه عليهالسلام عن المكالمة والمحادثة مع غير الله ليتجرد سره وحاله عن ازدحام الخلق وذكرهم ، والأدب فيه أن من يطلب من الله تعالى شيئا من معاني الغيب ورؤية معجزته وكرامته لا يتحرك لسانه بالفضولات ، وقلبه لا يخطر به من طوارقات الوسواس حتى يكون ظاهره وباطنه مشغولا بالحق لأن التفرق إذا وقع في الظاهر يتشوش به الباطن ، وأجاز له الرمز ليدفع به ضيق قلبه ، ومن دخل عليه من أهله ، والرمز من الأنبياء للأولياء ، والرمز من الأولياء الخاصة المريدين ، وحقيقة الرمز من تمريض السر إلى السر وإظهار التفرس إلى التفرس وإعلام الخاطر إلى الخاطر بنعت تحريك سلسلة المواصلة بين المخاطب والمخاطب (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) الذكر الكثير هاهنا تخليص النية عن الخطرات وجمع الهموم بنعت تصفية السر في المناجاة ، وتحير الروح في المشاهدات ، أدّب الله أهل محبته وإرادته بما أخبر عن معجزة زكريا واستجابة دعوته حتى إذا أرادوا كشف الغيب واستجابة الدعوة اعتزلوا عن الخلق ، وعن محادثتهم وتركوا ما لا يعينهم وقطعوا لسانهم بمقاريض الصمت ، وجعلوه رطبا بذكر الله في أيام مناجاتهم التي أرادوا فيها كشف المقصودة.
(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي