حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤))
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) بإلقاء كلمته فيك ، وأيضا أصطفيك برؤية الملائكة والخطاب معهم.
وأيضا أصطفيك بالكرامات والآيات حتى يأتي الملائكة يرزقك من الجنة (وَطَهَّرَكِ) أي : من لمس البشر وأيضا من دنس الخليقة.
وأيضا أي : طهر سرك عن الالتفات من الله إلى كفالة زكريا عليهالسلام (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) اصطفاء الأول : رفع المنزلة ، واصطفاء الثاني : حقيقة العصمة بإشارته على نساء العالمين.
قال الأستاذ : فائدة تكرار الاصطفاء ، الأول : أصطفيك بالكرامة والمنزلة وعلو الحالة ، والثاني : أصطفيك ؛ لأنّك حملت بعيسى عليهالسلام من غير أب (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) أي : استقيمي في طاعة مولاك (وَاسْجُدِي) أي : كوني في السجود خالصة عن غيري (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي : تقربي إليّ بتواضعك مع المتواضعين من أوليائي وأنبيائي وخواص أهل محبتي لتنال بركات الجمع ؛ لأن صحبة الأولياء استحكام في العبودية ، وتخليص عن رق البشرية (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) بشرها حتى رسخت في تحمل إيذاء اللائمين ، وعرفت منزلتها حتى لا يسقط عن درجة اليقين بحديث العالمين (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) في الدنيا ملتبسا بأنوار الربوبية ، وفي الآخرة ملتبسا بجمال المشاهدة ألبسه الله خلعة الهيبة ، ليكون عظيما في أعين الناظرين من الفريقين المؤمنين والكافرين (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) تكلم الناس في المهد ليكون شاهدا على نبوته ورسالته وطهارة أمه ، وكهلا عن انبساطه ، وحالة اتحاده ، فالأولى من النبوة ، والآخر من الأنانية ، وفعله شاهد قوله بأحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، في بدايته كان ملتبسا بلسان العبودية ، في نهايته كان ملتبسا بصفات الربوبية.
وقيل : يكلم الناس في المهد معجزة له ، وكهلا داعيا ربه.