وقيل : يكلم الناس في المهد صبيا ، وعند نزوله من السماء كهلا ؛ ليكون على طرفي كلامه معجزة.
قال الواسطي : يكلم الناس في المهد ردا لقول المخالفين إنه نطق في حال يعجز من كان مثله عن ذلك ، وإذا كان كهلا ليس فيه بطش الشباب لا ضعف الشيوخ (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) انسلخ من أوصاف الحدوثية ، واتصف بصفات الربوبية فأظهر منه الحق جل عن الأهل والولد والحلول والمكان والجمعية والاختلاط مع الخليقة حقائق القدرة ليس لي في هذه الآية كلام أجل من ذلك مع أن أهل المعرفة قد سبقوني في هذا المعنى ، ولا بدّ لي من أن أتكلم فيه بشيء من عبارتي ما دام شرعت في تفسير القرآن.
وقيل : من اشتد عليه الصفات الربوبية ، وغاب عن أوصاف الحدث حتى بنفسه وأحيى به كل شيء ، وأبطل بهذه الآية دعاوي من ادعى إظهار معجزة عليه به دون ربه ، والله قادر على الإعجاز في جميع الأوقات يظهرها على من يشاء ، فالإعجاز الله والسبب مظهر عليهم ذلك في الهياكل والصور (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) عاينوا بأبصار القلوب حقائق الغيوب ، فقالوا : (رَبَّنا آمَنَّا).
قال ابن عطاء : (آمَنَّا) بما نورت به قلوب أصفياك من علوم غيبك ، (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) فيما أظهر من سنن أوامرك ، ونواهيك رجاء أن يوصلنا اتباعه إلى محبتك (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) مع من يشهدك ولا يشهد معك سواك (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) سقطوا عن مشاهدة سابق الحق فاحتالوا مع أهل الولاية بتدبير النفس فكان مكرهم مكر الحق عليهم ، وهم لا يعلمون أنهم مخدعون.
قال محمد بن علي : مكروا أنفسهم فحسن مكر الله عندهم ، وكان في الحقيقة الماكر بهم لتزيينه ذلك عندهم ألا تراه يقول : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨].
سئل بعض أهل الحقيقة : كيف تنسب المكر إلى الله؟ فصاح وقال : لا علة لصنعه وأنشد :
ويقبح من سواك الفعل عندي |
|
وتفعله فيحسن منك ذاك |
فديتك قد جبلت على هواكا |
|
فنفسي لا تنازعي سواك |
أحبك لا ينغصني بل بكل |
|
وإن لم يبق حبك لي حراكا |
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا