وقيل : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) علما والله حلما عن عباده.
وقال ابن عطاء : عاينوا أول تربيتكم ليتخلصوا من هذه الآفات كلها ، وقال أيضا : أخرجهم بهذا الخطاب عمّا خاطبهم به من العبودية.
قال الواسطي : عاينوا أوقات تربيتكم وتقديركم قبل آدم عليهالسلام ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، فالانتساب إلى آدم عليهالسلام ، والافتخار بمحمد صلىاللهعليهوسلم ليس بالافتخار ممن قدّسك في الأزل.
وقال أيضا : قال : كونوا كأبي بكر إذا أورد عليه قوادح الأمور لا يؤثر على سره حين قال النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر : «دع بعض مناشدتك ربك ؛ فإنه ينجز لك ما وعدك» (١).
وقال أيضا : في هذه الآية أمر إبراهيم عليهالسلام بالاستسلام ، وأمر محمد صلىاللهعليهوسلم بالعلم ، فقال : فاعلم والاستسلام إظهار العبودية ، والعلم به التوسل إلى الأزلية والأبدية ، لذلك خاطبهم فقال : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) ، وأيضا قال : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) جذبهم بهذا من الافتخار بالطين إلى الافتخار بالحق.
قال الجنيد : أخرجهم من الكون جملة ، وجذبهم إلى الحق إشارة ، فإذا أردت أن تعرف مقامات الخلق ، وبواطنهم في الحقيقة ، فانظر إلى تصرف أخلاقهم تجد كل واحد قائما في أشخاصه ، استقطعه ما وافق سريرته ، فانظر بما ربطت القلوب ، فيشهد سرائرهم ؛ لأنهم أخذوا من المصادر الأول ، فمن لم يستقطعه إلا إسبال أنواره والحياء فيما ورد عليه ، أيقن كيفية باطنه على الحقيقة تنازعه في ربوبيته ، وتمر عليه في عبودية وأنت لا تشعر ، وقال بعض العرافين : أخرجهم من آدم عليهالسلام وتراهم منه كي ينسوا العبودية والافتخار بالماء والطين.
وقال الشبلي : أخرجهم عما خاطبهم به من العبودية ، فمن استحق العلم به استحق علم الربانية ، والرباني الذي لا يأخذ العلوم إلا من الرب ، ولا يرجع في بيانه إلا إلى الرب جلّ وعلا.
وقال الواسطي في هذه الآية : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) ؛ لأن تكون ابن الأزل والأبد خير لك وأحسن بك من أن تكون ابن الماء والطين والأفعال والإحصاء والعدد.
وقال سهل : الرباني هو العالم بالله والعالم بأمر الله ، والمكاشف له من العلوم اللدني ما غاب عن غيره ، وقال أيضا : الرباني الذي لا يختار على ربه حالا.
وقال الجريري : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) أي : سامعين من الله ناطقين بالله.
وقال فضل بن العباس الشكلي : قال كونوا كأبي بكر الصديق ؛ فإنه لما مات محمد صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) رواه مسلم (٣ / ١٣٨٤) ، وأحمد في مسنده (١ / ٣٠) ، والترمذي (٥ / ٢٦٩).