اضطربت الأسرار كلها لموته ، ولم يؤثر ذلك في سر أبي بكر ، فقال : «من كان منكم يعبد محمدا ؛ فإنّ محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ؛ فإنّ الله حي لا يموت» (١).
وقال القاسم : كونوا ربانيين متخلقين بأخلاق الحق علماء وحلماء.
وقال بعضهم : الرباني بحقه من نسي نفسه في نسيانه ، فنسي أوقاته بأوقاته ، ونسي أجاله وأرزاقه بصفاته ، فصفاته جذبته إلى ذاته ، وذاته ملكه عن صفاته.
وقيل : الرباني من ارتفع عنه ظل نفسه ، وعاش في كون ظله.
وقيل : الرباني الذي هو محق في وجوده ، ومحو عن شهوده ، فالقائم عنه غيره ، والمحوي لما عليه سواه.
وقيل : الرباني الذي لا يؤثر فيه تصاريف الأقدام على اختلافها.
وقيل : الرباني الذي لا تستقره محنة ولا يهزه نعمة فهو على حالة واحدة في اختلاف الطوارق.
وقيل : الرباني الذي لا يتأثر بورود وارد عليه ، فمن استعطفه رقة قلب أو استمالة هجوم أمرا ، وتفاوت عنده أخطار حادث فليس برباني.
وقيل : الرباني الذي لا يبالي بشيء من الحوادث بقوله وسره ، وإن كان لا يقصر في شيء من الشرع بفعله.
وقيل : (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) من توالي إحساني إليكم ، وتضاعف نعمتي لديكم.
وقيل : بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون من آلائي ونعمائي ، وما توليتم من أموركم.
(وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) ولا يمنّون عليكم بتعليمهم إياكم أن تزكّوهم وتطردوهم ، ولا تلتفتون بأسرارهم إلى تمكينهم ودرجاتهم ، ويعلمون أنهم في ديوان الألوهية والربوبية كل شيء في كل شيء ، ولا ترون الكون مع ما فيه ومن فيه في جنب عظمة الله تعالى ، إلا كذّرة في السموات والأرض ، ولا تتعرضون بأمور أنفسهم في أمر الله تعالى ، ويعلمون أن أمر الحق غالب على جميع الأمور ، فإنهم مأمورون كجميع الخلائق : (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي : لا يأتون على الخلق إلا لتهذيب أسرارهم عن الأكوان والحدثان في خالص عبودية الرحمن ، ويخيرونهم عن أسرار الحقيقة ، وأنوار الشريعة ، وعن وحدانية الله وقدس طبقاته وعز بقاء وجهه وجماله ، ويأمركم التمسك بحبل
__________________
(١) رواه البخاري (١١٨٥) ، وابن حبان في صحيحه (١٤ / ٥٨٩).