العارفين إليه بالمبادرة والمسارعة ببذل المهج.
ويقال : لا تعلق قلبك بأول بيت وضع لك ، ولكن أفرد سرك لأول حبيب أنزله.
وقيل : شتان بين عبد اعتكف عند أول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرته عزيز كان له.
(مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أي : مقدسا من أن يلتصق به ريب الشاكين أو تهمة المرائين أو أن يرى وجه عروس الآيات إلى غير المخلصين ، وأيضا تعظما بما كسا الله عليه من أنوار قربة وحضرة وبركاته أن يسكن به قلوب المريدين ويكون مروحة لقواد المشتاقين ، وروضة لأرواح الصادقين ، وريحانة لمشام العاشقين ، وهدي هاديا بانكشاف نوره للعالمين من المؤمنين ، وأيضا : هدي للمريدين إلى رؤية الآيات ، وهدي للعارفين إلى رؤية صاحب الآيات ، وهدي للخائفين إلى مقامات الأمن ، وهدي للمنقطعين إلى شهود الأنس ، وراشد للمحسنين إلى مشاهدة الرب تبارك وتعالى.
وقال الأستاذ : بركاته اتصال المطاف والكشوفات هناك لمن قصده بهممه ، ونزل عليه بقصد هداه إلى طريق رشده.
وقال الحسين : إن الحق تعالى أورد تكليفه على ضربين تكليفا عن وسائط وتكليفه بالحقائق فتكليف الحقائق بدت معارفه منه وعادت إليه وتكليف الوسائط بدت معارفه عمن دونه ولم يتصل به إلا بعد الترقي منها إلى الفناء عنها ، فمن تكليف الوسائط إظهار البيت والكعبة ، فقال : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ) فما دمت مشتغلا به كنت منفصلا عنه فإذا انفصلت عنه حقيقة وصلت إلى مظهره وواصفه وكنت مترسما بالبيت متحققا بواضعه (١).
قوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) البيت مرآة العارفين يتجلى الحق لهم بوسائط الآيات أبهم الحق سر ظهوره فيه ؛ لئلا يطلع عليه كل أجنبي من هذه القصة ، وشأن البيت وشجرة موسى سواه تجلى منها لموسى وتجلى منه لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأشار بالآيات البينات إلى نفسه تعالى وتقدس عن الحلول والنزول وبنعت الانتقال.
__________________
(١) يقال : إذا كان البيت المنسوب إليه لا تصل إليه من ناحية من نواحيه إلا بقطع المفاوز والمتاهات فكيف تطمع أن تصل إلى ربّ البيت بالهوينى دون تحمّل المشقات ومفارقة الراحات؟!
ويقال : لا تعلّق قلبك بأول بيت وضع لك ولكن أفرد سرّك لأول حبيب آثرك ، ويقال : شتّان بين عبد اعتكف عند أول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرة أول عزيز كان له ، ويقال : ازدحام الفقراء بهممهم حول البيت ليس بأقل من ازدحام الطائفين بقدمهم ، فالأغنياء يزورون البيت ، ويطوفون بقدمهم ، والفقراء يبقون عنه فيطوفون حوله بهممهم. انظر : تفسير القشيري (١ / ٣٥٧).