تجدد عليك خوف بدخولك مسجد الخيف؟ قلت : لا ، قال : ما دخلته ، قال : مضيت إلى عرفات ، قال : نفرت إلى المشعر الحرام ، قلت : نعم ، قال : ذكرت الله فيه ذكرا أنساك فيه ذكر ما سواه ، قلت : لا ، قال : ما نفرت ، قال : هل شعرت بماذا أجبت أو بماذا خوطبت؟ قلت : لا ، قال : ما نفرت إلى المشعر قال : ذبحت؟
قلت : نعم ، قال : أفنيت شهواتك وإرادتك في رضا الحق؟ قلت : لا ، قال : ما ذبحت ، قال : رميت قلت : نعم ، قال : رميت جهلك منك بزيادة علم ظهر عليك ، قلت : لا ، قال : ما رميت قال : زرت؟ ، قلت : نعم ، قال : كوشفت عن شيء من الحقائق أو رأيت زيادة الكرامات عليك للزيارة ؛ فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «الحاج والعمار زوار الله ، وحق المزور أن يكرم زائره» (١) ، قلت : لا ، قال : ما زرت ، قال : أحللت؟ قلت : نعم ، قال : عزمت على أكل الحلال؟ قلت : لا ، قال : ما أحللت ، قال : ودعت ، قلت : نعم ، قال : خرجت من نفسك وروحك بالكلية؟ قلت : لا ، قال : ما ودعت ولا حججت وعليك العود إذا أحببت ، وإذا أحججت فاجتهد أن يكون كما وصفته لك.
وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي : لما دخلت على الشيخ الحصري ـ قدّس الله روحه ـ ببغداد ، قال لي : أحاج أنت؟ قلت : أنا مع القوم ، فقال لي : أليس فرائض الحج أربع ، الإحرام والدخول فيه بلفظ التلبية؟ قلت : بلى ، قال : والتلبية إجابة؟ قلت : بلى ، قال : والإجابة من غير دعوة سوء أدب؟ قلت : بلى ، قال : فتحققت للدعوة حتى تخيب ، ثم الإحرام التجريد من الكل ، ولا يكون التجريد إلا بالتفريد ، قلت : بلى ، ثم الوقوف ، قلت : نعم ، قال : فاجتهد فيه فإنه محل المباهات ، انظر كيف يكون في الطواف وهو محل القربة من الحق ، فيكون قربك منه بحسن الأدب ، ثم السعي ، وهو محل الفرار إليه بالتبري مما سواه ، فإياك أن تتعلق بعد سعيك بعلاقة من الدارين وما فيهما.
وقال الشيخ : سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول : سمعت محمد بن أحمد بن سهل يقول : سمعت سعد بن عثمان يقول : سمعت عبد الباري يقول : سئل ذو النون لم صير الموقف بالمشعر الحرام ولم يصير بالحرم؟ قال ذو النون : لأن الكعبة بيت الله ، والحرم حجابه ، والمشعر بابه ، فلما أن قصده الوافدون أوقفهم بالباب الأول يتضرعون إليه حتى أذن لهم بالدخول ، أوقفهم بالحجاب الثاني ، وهو المزدلفة ، فلمّا أن نظر إلى تضرعهم أمرهم بتقريب قرابينهم ، فلما قرّبوا قربانهم ، وقضوا تفثهم طهروا من الذنوب التي كانت لهم حجابا من دونه ، فأذن لهم بالزيارة على الطهارة.
__________________
(١) رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٢ / ٣٨٩) بنحوه.