(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١))
وبخهم بالكفر بعد شهودهم مشاهد الآيات بأمر الظاهر ، واستدرجهم بما أورثهم من الشهوات بقضاء الباطن ، وحذّرهم لشهوده على أسرارهم ليطردهم عن قربه ووصاله (١).
وقال الأستاذ : الخطاب بهذه الآية تأكيد الحجة عليهم ، فمن حيث الشرع تؤكد الحجة عليهم ، ومن حيث الحقيقة والقهر سد الحجة عليهم ، فهم مذعورون شرعا وأمرا ، مطرودون حكما وقهرا.
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
نهاهم الله عن الصد والصد لا يكون إلا من الحسد ، والحسد مذهب المبغضين الذين لا يطيقون أن يروا على المريد أثر كرامة الله ، وهم في الحقيقة مصدودون ، والمصدود مطرود يضل ويضل.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ومن اعتصم به منه اهتدى به إليه ؛ لأنه في محل المعرفة ، ومن عرفه يستعيذ برضاه من سخطه ، وبمعافاته من عقوبته ، وبه منه ، وهذا حال سيد الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حيث قال في سجوده : «أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).
وكان عليهالسلام في ذلك الوقت في مشاهدة الجلال والجمال والكمال ، والقدم والبقاء والجبروت والكبرياء بنعت المعرفة على وجود الحق ، مستغرقا في بحار علوم القضاء والقدر ، ورأى ما رأى من عجائب قدرته ، واطّلع على بعض أسرارهم إرادته فخاف به منه إليه ، وأيضا من اعتصم بالله هداه الله إلى معرفة عيوب النفس ، ودقائق الشيطان ، وأخلاق القلب ، وشمائل الروح ، وأوصاف العقل ، وأمور المعاملات ، وحقيقة الحالات ، وطلب المكاشفات ، والاطلاع على المشاهدات ، ولمة الملائكة ، وعلوم الإلهام ، والفراسات ، ويكون بهذه الخصال
__________________
(١) ومن حيث الحقيقة والقهر يسدّ الحجة عليهم ، فهم مدعوون ـ شرعا وأمرا ، مطرودون ـ حكما وقهرا. انظر : تفسير القشيري (١ / ٣٦٠).
(٢) رواه مسلم (٤٨٦) ، وأحمد في مسنده (١ / ٩٦) ، والترمذي (٥ / ٥٢٤) ، وابن ماجه (١ / ٣٧٣).