في مقام التمكين ، وهو أمثل طرق المستقيم (١).
وأيضا : الاعتصام انجزام القلب عن الأسباب والأرباب ، والتبري إلى الله تعالى من الحول والقوة ، ومن قطع حبل الطلب عن الخلق ارتفع قتام البين بينه وبين الحق ، والاعتصام قبل المعرفة محال ، والمعرفة قبل المشاهدة محال ، ومن شاهد الله تعالى بنعت المعرفة يعتصم به في جميع مراده.
وقال ابن عطاء : من افتقر إلى الله من جميع ما سوى الله فقد فتح له الطريق إلى الحج ، وهو قوام الطرق إلى الحج ، وهو قوام الطرق.
وقال جعفر في هذه الآية : من عرفه استغنى به عن جميع الأنام.
قال الواسطي : من يعتصم بالله للأئمة وللعامة اعتصموا بحبل الله ، وقال أيضا : الاعتصام به منه ، ومن زعم أنه يعتصم به من غيره فهو وهن في الربوبية.
وقال أيضا في قوله : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) : هل شاهدت مشاهدتك شيئا تفرغ منك إليه ، وهل فرغت إلا إلى نفسك ، الاعتصام ترى نفسك في ظله وكنفه وحسن قيام نظره لك في يده ، فإنّ الحقيق قسم الاعتصام والتصديق يوجب الاعتصام ، وقبل الاعتصام واللجاء بطرح الحول والقوة والسكون للأمر والهدوء ، وتحت مراد الله (٢).
وقيل : الاعتصام للمحجوبين ولأهل الحقائق رفع الاعتصام ؛ لأنهم في القبضة.
قال أبو بكر الورّاق : علامة الاعتصام ثلاث : قطع القلب عن معونة المخلوقين ، وصرفه بالكلية إلى رب العالمين ، وانتظار الفرج من الله.
وقال جعفر : من افتقر إلى الله عن جميع ما سواه وليس في سره سوى الله ، فقد هدى إلى صراط مستقيم.
قال أبو سعيد الخرّاز : من أمن به لا يهان ، ومن اعتصم به لا يهزم.
وقال : لا يمكن رد النفس إلى الصلاح إلا بالحكمة والعلم ، والجهد والتضرع ، وأصله الاعتصام بالله.
وقال الأستاذ : بما اعتصم بالله من وجد العصمة من الله تعالى ، فأمّا من لم يهده الله
__________________
(١) فلا ينبغي لمن أشرقت في قلبه شموس العرفان أن يوقع الكفر عليه ظلّه ، فإنه إذا أقبل النهار من هاهنا أدبر الليل من هاهنا. انظر : تفسير القشيري (١ / ٣٦٣).
(٢) ولمن رجع عند سوانحه إلى اختياره واحتياله ، أو فكرته واستدلاله ، أو معارفه وأشكاله ، والتجأ إلى ظل تدبيره ، واستضاء بنور عقله وتفكيره ـ فمرفوع عنه ظل العناية ، وموكول إلى سوء حاله. انظر : تفسير القشيري (١ / ٣٦٥).