وقيل : في قوله : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) أي : برؤية النجاة بأعمالكم ، فأنقذكم منها برؤية الفضل.
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩))
قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) أي : تبيض وجوه الصادقين في دعوى المحبة بنور المشاهدة ، حيث طلعت شمس مشرق الأزل من مطالع القدم ، فأنورت بتجلي الجمال وجوها ، مغفرة بتراب جناب الحضرة عشقا وشوقا ، وألبستها نورا من نورها حتى رأت بنور القدم جمال القدم ، وهي مشرفة بجلال ربها ، مسفرة بيضاء قربه ، مستبشرة في رؤية وصاله ، ناضرة بتبسم أفواه الرضوان الأكبر فيها ، ناظرة من ربها إلى ربها.
قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] ، واليوم تلك الأنوار ظاهرة في وجوه من تكون هذه النعوت والأوصاف لهم غدا ، قال الله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح : ٢٩] ، وقال : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) [البقرة : ٢٧٣] ، تلك سمات وجوه الأولياء الذين إذا رأيتهم رأيت نعيما وملكا كبيرا ؛ لأنهم مرآة الحق يتجلى منهم بجلاله للخلق.
وقوله تعالى : (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) أي : وجوه المدّعين مقامات الأولياء بإظهار التقشف بين الخلق وخروجهم بزي الصادقين ، وطلبهم به استحسان الخلق ، وصرف وجوههم إليهم وعداوتهم ، أمناء الله في الأرض حين تخرج رجال الله من حضرة الله ركبانا على بجانب النور ، وعلى رءوسهم تيجان الوقار في ميادين السرور ، وغاراتهم عصاة أمة محمد صلىاللهعليهوسلم من أسواق القيامة ، ويدخلون بهم الجنان بلا إذن الرضوان ، تسود وجوه السالوسين المدّعين عند تلك الوجوه على رءوس الأشهاد باحتجابهم عن مشاهدة الله ، وصحبة أهل الحضرة ، قال تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥].
قال محمد بن علي : تبيض وجوه بنظرهم إلى مولاهم ، وتسود وجوه باحتجابهم منه.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا