الكبرياء عن تهمة الأغيار ، ونفي الأنداد عن ساحة الجلال ، قال : (وَخافُونِ) في التفاتكم بالأسرار بنعت الخوف من الأغيار ، رفع ما استحق له عمّن ليس له استحقاق ، وخوف العباد منه حقوق ربوبيته ، وليس في هذا الخوف من الغير نصيب ، قرن الخوف والإيمان محل البرهان عند وقوع الامتحان ، فإذا وقع نور المشاهدة تظهر أنوار الهيبة ، وتذهب علّة الخوف ، خوفهم بنفسه لا من عذابه ، أي : من نظر إلى غيري بنعت إجلاله احتجب عني به ، وأنا أبقيه في الخوف من غيري ، وهو محل الشرك به ، أي : من خافني فهو في محل الإيمان ، ومن خالف غيري فهو في محل الشرك ، وهذا الشرك شرك خفي.
قال الواسطي : الخوف من شرط الإيمان ، والخشية من شرط العلم ، وإشارته في ذلك إلى قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨].
وقال ابن عطاء : ما دمتم متمسكين بالطريقة فخافوني ، فمن ترك الخوف فقد ترك الطريقة المستقيمة.
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨))
قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) امتحن النبي صلىاللهعليهوسلم بعزائم الأمر في التوكل والرضا ؛ حيث أحزنه بحث الكفار وتخويفهم إياه ، ثم أمره بفتح عين سره في جلال قدمه ، الذي سبب ذهاب جميع الأحزان من غيره عن قلبه ، فإنّ من استحكم في معرفته فلا يجري أحكام التلوين على قلبه.
قال الواسطي : الحزن في الأحوال كلها ، وفي الحقيقة تعريف لهم وتنبيه ، وهذه الآية من خيار الحقائق التي جرت أنهم لن يضروا الله شيئا ؛ لأنهم جحدوا ما يليق بطبائعهم.
قوله تعالى : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) أخبر عن كمال اهتمام النبي صلىاللهعليهوسلم وشفقته على شريعة الله ونظام دينه ، حيث أخبر بقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ) ؛ لأن حزنه من أجله ، أي : فلا تحزن فإن ساحة الكبرياء مقدسة عن هجوم ضلال الضلّال ، وفيه أيضا إشارة الاتحاد بقوله : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) أي : كيدهم بك لا يضرك ، أخبر به عنه ، وأقام نفسه حيث تخلق الحبيب بالحبيب ، وتوحد الحبيب بالحبيب.
وقيل في قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) : لأنه الذي تولاهم وفي البلية ألقاهم.